تحقيق : صباح بشير - وكالة أخبار المرأة
وهذه الظاهرة التي أصبحنا نلاحظها يوميا والتي نعاني منها جميعاً فتسيئ لنا معنويا ، وبصورتنا كمجتمع له مسيرته النضالية بما قدم من تضحيات جسيمة ، ومع الأسف هذه الظاهره في حالة ازدياد يوما بعد يوم .. فنراها في الكثير من الأماكن في مدننا الفلسطينية وخاصة فيمدينة القدس ، مما دفعني الى كتابة هذا الموضوع ، وذلك في محاولة لنشر رسالة تنبيه لما نشاهده من تنامي واضح لهذه الظاهرة وانتشارها خاصة عند إشارات المرور والمحلات التجارية والأسواق وعلى مداخل المسجد الأقصى المبارك وبشكل خاص خلال شهر رمضان المبارك ..
ومع الأسف ، تتمتهن هذه الظاهره السيئة النساء أكثر بكثير من الرجال ، ظنا منهن بأن المجتمع يتعاطف معهن بشكل أكبر كونهن الأضعف برأيهن ! لذا فمن الممكن أن تقدم لهن المساعدة بسهولة أكبر , لذلك أصبحنا نشاهد هؤلاء النسوة – المتسولات- ينتشرن في كل الأماكن تقريباً فنراهن عند تقاطع الشوارع والأسواق وأمام المحلات التجارية ومحلات الصرافة والبنوك وأمام المساجد وكافة الأماكن العامة كافة ، فتراهن يأتين اليك من كل اتجاه وصوب ، ينطقن بالكلمات اللطيفة ويتوسلن بمنتهى الضعف والأمل والرجاء ، لنرى أحيانا أنهن يحملن أوراقا أو وتقارير طبية لإثبات قصصا وهمية حصلت معهن أو مع أحد أقربائهن ، أو يتحدثن عن أحداث تعرضن لها لا تمت للواقع بصلة .. كل هذا لأجل استعطاف الناس بهدف الحصول على المال .
وفي وقت يزداد الوضع الاقتصادي في مدينة القدس تدهوراً ، لجأ الكثير منهن لاستخدام واستغلال الأطفال كوسيله وأداه لجلب المال ، فنراهن تارة يحملن رضيعا ، وتارة أخرى تمسك بيدها بطفل لا يتجاوز عمره الخمس سنوات تجعله يركض خلف الناس ويهرول ليرجوهم ويستعطفهم ، لتعلمه وتربيه على قبول المذلة وامتهان الكرامة ! معتبرة ذلك ضربا من ضروب الشطارة في تعليم الأطفال مد أيديهم للمارة والتسول من أجل كسب قوت يومهم والحصول على بعض النقود التي من شأنها أن تساعدهم على توفير احتياجات معيشتهم القاسية .
أم محمود ( اسم مستعار) واحده من هؤلاء المتسولات اللواتي وافقن على الحديث معي بعد ما اضطررت لأقناعها لساعات ، فتقول : لم أجد فرصه للعيش الكريم بعد وفاة والدي الذي كان يعاملنا بمنتهى القسوة ، كنا تسعه إخوه وأخوات ، سبع بنات واثنين ذكور ، هم اخوتي الصغار , حاولت البحث عن عمل لمساعدة والدتي على تأمين لقمة العيش ولم أجد وكنت حينها أبلغ الخامسة عشر من العمر ، اضطرت والدتي لتزويجنا أنا وأخواتي السته لأول طارق للباب يطلب للزواج ، تزوجت من رجل يكبرني بخمسة وعشرين عاما وكان لديه زوجه وأولاد وبيت كبير عانيت معه الكثير وأنجبت منه أربع اطفال ، تركني وأطفالي في الشارع بعد قراره العوده لزوجته الأولى .. فلم أجد بديلا عن التسول .. وهكذا سارت الأمور معي ..
ابتسام ( اسم مستعار) ، وافقت أيضا على الحديث معي بعد محاولات عدة شريطة عدم تصويرها وذكر اسمها الحقيقي والذي لم أتعرف إليه أصلا , ابتسام شابه في الثامنه والعشرين من عمرها وحين سألتها لماذا تقف على اشارة المرور دائما لتتسول (في المنطقه التي تقع في نهاية واد الجوز وبداية الشيخ جراح في مدينة القدس) ونراها أحيانا تحمل طفلا رضيعا او تمسك بيدها طفلا لا يتجاوز الثلاث سنوات فردت قائلة : انا لم أتزوج إطلاقا ولكن هذه هي مهنتي منذ كنت في الخامسة عشر من عمري لم أكمل تعليمي الدراسي وعشت في بيت فقير وكان والدي يطلب مني التسول يوميا ، إعتدت على ذلك ، وهكذا أحصل على المال ! سألتها ألا تخافين من التعرض للتحرش والاستغلال الجنسي ؟ فأجابتني غاضبة إعتدت على العمل لأحصل على المال ولا يهمني اي شيئ وأعرف كيف اتعامل مع هؤلاء الحثاله ، صحيح أنا أتسول لكنني لست بساقطة !!!
الحاجه أم رزق (اسم مستعار) وجدتها تقف بمحاذاة باب الساهرة ، تعطي متسولا عشرة شواقل ، فسألتها ، لم تفعلين ذلك وهل تصدقينه ؟ فردت قائلة : أنا أعرف أنه من الممكن أن يكون لصا أو كاذبا أو غير محتاج للمال ويمتهن التسول ، ولكنني أشفق علية .. أنظري كيف يهين ويبتذل نفسه بهذا الشكل جالسا على الأرض ملابسه قديمة ومتسخة ويرجو المارة بالدعاء لهم ليتصدقوا علية , وقد رجاني ودعا لي بالكثير فأعطيته العشرة شواقل وقالت : أنا على نيتي وهو منو لربو إذا كان كذاب !!
قصة أخرى بإسم الحاجه أم فاضل أو ما تسمي نفسها كذلك ، تتوجه الى البيوت مباشرة ، فلم تترك بيتا لم تطرق بابه خاصة في منطقة الشيخ جراح أو واد الجوز أو البلده القديمة وجميع المناطق القريبة من مركز المدينة , حيث تطرق الأبواب بحجة أنها تود أن تتحدث مع ربة البيت فتبدأ قصتها بأنهم وصفوا لها هذا البيت المعروف عنه بالعطاء والكرم , أثناء أدائها لصلاتها يوم الجمعة الماضي في المسجد الأقصى المبارك , ونصحوها بأن تتوجه الى صاحبة هذا البيت المعروفة بالكرم والجود ومساعدة الفقراء ، ومن ثم تبدأ لتروي بقصة إبنها الشاب المريض والذي يحتاج لمبلغ من المال لشراء كلية وغيرها من الأمور الطبية التي يحتاجها والتي لا تملك أن تؤمنها له وتبدأ بالبكاء ولطم نفسها على وجهها ثم تتوسل وتتوسل حتى تحصل على ما تريد ! إحدى نساء منطقة واد الجوز والتي رفضت أن أذكر إسمها قالت لقد شعرت بشفقه شديده عليها وأدخلتها بيتي وتصدقت عليها بمبلغ مئة شيكل في محاوله لمساعدتها ولكنني أحسست بأنها تلتفت وتنظر الى غرف البيت بشكل مريب وقالت توجهت الى المطبخ لتحضير كأس العصير لأم فاضل ، بعد أن تركتها في غرفة الجلوس وما أن عدت بالعصير حتى وجدتها في الغرفه الثانيه ! وبصراحه أثارت لدي الشكوك فشعرت أنها لصه فقلت لها ماذا تفعلين هنا ؟ فارتبكت وأجابت بأنها تبحث عن سجادة لأداء الصلاه ، ولم يكن الوقت وقتا للصلاة ، قلت لها انا أشك بك وسأذهب لأنادي ابني الذي يسكن في الشقه المقابلة ليتحدث معك ويتعرف اليك ، وما أن قلت لها ذلك حتى ولت راكضة هاربة إلى خارج البيت !
ولكي لا نظلم أحدا نقول بأن البعض فعلا اضطرته الظروف والحاجة والفقر والعوز لأن يسلك مثل هذا الطريق ليتمكن من الحصول على ما يعينه على الحياة ولتأمين لقمة العيش لة ولأسرتة ، بالتأكيد نحن لا نبرر أبدا هذا السلوك ونرفضه جملة وتفصيلا ، ولكن البعض الآخر إمتهن التسول كمهنه خاصة به أخذ يطورها ويعلمها لأولاده وللآخرين ويتفنن بها لتكون مقنعه للضحية التي ستدفع له المال ..