( بعض الفرح قد يكفي) عنوان رواية جديدة للكاتبة والروائية السعودية الصديقة ريم عبد الباقي و هو من عناوين الكتب التي تحتاج وقفة قبل البدء في قراءة ما بعد العنوان، وقد جاء توظيف المفردتين "بعض" و"قد" متعمدا وله دلالة قصدتها كاتبتنا المبدعة ، لأن " بعض" حرف يُقصد به الدلالة على جزء من كل، وكأنها أرادت تبعيض الفرح كيفاً وليس كماً ، وأما "قد" وهو حرف يفيد التوقع ، فقد أرادت به عدم الجزم بأن هذا البعض يكفي لتحقيق حالة الفرحة، و بذلك تكون قد ألقت بنا في مهب ريح الاحتمالات والشك لأنها لا تستطيع أن تمنحنا صك اليقين.
ولكن من منظور مختلف هناك فهم آخر للعنوان وهو أنها أرادت به أن تضئ شمعة في عتمة النفوس، فراحت تبشّر بأن القليل إذا ما باركته القلوب قد يكون كافيا لبعث الأمل و إحياء البهجة وانه لابد لنا من تعظيم مساحة السعادة في حياتنا أو تضئيل حجم الحزن في قلوبنا وأن نعمل دائما علي إسقاط القناع عن الحزن ليظهر وجه الفرح، فالفرح والحزن وجهان لعملة واحدة وهي النفس البشرية
ولكن هناك فهم آخر للعنوان يأتي مصحوبا بسؤال: هل الرضا بهذا ال"بعض" المتاح من السعادة يكفي بأن يعيش الإنسان حالة الاكتفاء ، وأن عليه أن يضبط مقياس فرحته علي ما تجود به الحياة بعد أن بخلت عليه بالكثير وأجبرته على الرضا بالقليل مثل فرحة المتضور جوعا عندما يعثر على كسرة خبز جافة ؟
إن " بعض" و "قد" بلاشك يتطلبان قدرا كبيرا جدا من القناعة التي ضحكوا علينا و أوهمونا أنها كنز لا يفنى ، نفس القناعة جاء ذكرها في الحديث النبوي :"..... وارضَ بما قَسَمَ اللهُ لكَ تكُنْ أغْنَى الناسِ ....." حيث يشير إلى ذات المعنى، فالرضا بالقليل يجعل منه كثير، ولكن من أين يأتي الرضا، وما هو حد الغنى الذي أشعر عنده أنني أصبحت أغنى الناس؟ إنها نصيحة مغرِقة في المثالية وهي نفس ما جاءت به لاحقا التصوّرات الفلسفية لدى الرواقيين والكلاسيكية الحديثة لدى كانط ونيتشه.
وبين دفتي "بعض" و "قد" تاخذنا الأستاذة ريم لرحلة رائعة مع "غالية" و"عمر" وشخصيات أخرى، سعدت واستمتعت جدا بقراءة هذا العمل الذي يوشك أن يرى النور بعيون مصرية .