عندما يكتب الشاعر ..
يكتب نبض أنثاه ..
بأصابع اللهفة والفضول الحنون ..
يقلبها صفحة .. صفحة
يقرؤها كلمة .. كلمة
يرسمها زاوية .. زاوية
يجدولها خانة .. خانة
ينقحها ..
يفقطها ..
يرسمها هيكلا مضلعا ..
يحللها لغزا ..
يؤلها كل تأويلات العقل اللاواعي ..
يفندها تاريخا وآثارا ..
فك حروفها وطلاسمها نشوة لذيذة ..
حواشيها ومصطلحاتها أروع كشف ببيلوغرافي
عرفه باحث آثار وخطوط ..
يقرأ في مساماتها
تاريخ الحضارات المندثرة ..
ويتنبأ من وشمها
مستقبل الأمم ..
مستقبل الشعوب ..
مستقبل الحروب .
يرتدي نظارته العاكسة
ليبعثر ألوان الطيف
على تفاحة خديها ..
على لؤلؤتي عينيها ..
على أرنبة انفها .
على فاكهة شفتيها ..
يقرأ كم ابتسامة توزعها صحائفها في الصباح ..
يقرأ كم دمعة تهطل غيماتها في المساء ..
كم اشراقة تطل من مشرقهـا ..
كم غروب يذوي في مغربها ..
كم خسوف يهز كواكبهــــا ..
كم هــزة يسجلها باطنهـــا ..
كم نشرة جوية تذيعها الحسناوات ..
يبحث في قاموس لغات العالم ..
عن أسرار قلبهـا ..
ولهفة عينيهــــــا ..
وجموح خطواتها ..
وتعرق كفيهـــــا ..
يبحث في أدغالها ..
عن كل الثمــــار ..
عن الحمضيــات ..
عن السكريـــات ..
عن الفطر المبرقش النابت خلف أذنيها ..
عن الدرنات المدفونة تحت بشرتها الرملية ..
عن كل الغابات الاستوائية المليئة بالحيوانات البرية ..
التي تجوس تحت شعرها ..
يبحث عن الطيور الملونة
التي عششت في ثنايا تنورتها..
عن الزرافة التي تختبئ خلف ساقيها ..
عن الغزالة التي تأكل أعشاب نهديها ..
عن اللبؤة المسجونة في قلب قلادتها ..
عن السنور المعلق بخلاخيلها ..
يبحث عن منابع الأنهار ..
من فيكتوريا عينيها ..
عن جبال كليمنجارو ..
في جغرافيتها ..
عن أسود كينيا الشرسة في عرينها ..
عن الغابات والسافانا الشائكة ..
والذرة الحلوة والمالحة ..
والقصب والسكر والكاكاو ..
عن حبات البن والهال ..
والمطاط السائل من شفتيها ..
يبحث عن الأفاعي الملونة بين ضفائرها ..
يبحث عن المستنقعات الضحلة التي
تمتلئ أسماك وتماسيح شرسة ..
يبحث عن كل التحديات ..
عن كل المخاطر ..
يبحث عن كل القبائل البدائية التي تعزف التانغو ..
وتحتفل بقتلها قربانا لآلهة الغابة الملعونة ..
يبحث لا يتوقف عن كشف الأساطير الأنثوية..
التي لا تتوقف لحظة عن تسجيل الهدير الصامت ..
لنياغرا العشاق .
هكذا هي قراءة أنثى الشعر ..
أنثى السحر ..
يفهم غضبها الباذخ ..
يفهم بكاؤها الماكر ..
يفهم إقبالها وإدبارها ..
يفهم جفافها وفيضاناتها ..
يفهم لماذا تصرخ ..
لماذا تتهور ..
لماذا ترمي بأحلامها ..
تحت إطارات محراث الحقل المدببة ..
يفهم جنونها بغرور الشعراء ..
الذي يحطم كبرياء أنوثتها ..
الشاعر لن يجد قصائده ..
تحت وسادة بيضاء ..
وبين شراشف سرير ..
يئن تحت مصباح كئيب ..
قد يجدها مع إفطار الصباح الشرقي ..
مع قطعة البندورة المالحة ..
مع الجبنة البيضاء -الدبل كريم-
يجدها في قراطيس الشاي وهي تميس ..
بحلقاتها المنبعجة ..
وتختفي في سخونة ودلال ..
يجدها في مكعب السكر الصغير..
يراقص خصر ملعقة فضية حتى الذوبان ..
يجدها في سلة الخبز المصنوعة
بأصابع الخيزران ..
يجدها تتثاءب بكسل ..
تحت منديل الكاروهات الأحمر
ترقد فوق قشور نخالة القمح ..
المبعثرة على وجه الخبز المراهق ..
يجدها مع رشفات عصير البرتقال ..
بإفطار الكونتننتال ..
يجدها في عنق إبريق الشاي الفضي ..
تغني بحنجرة سنونو مهاجر
أغنية الصباح الندية ..
يجدها تلعب في قنينة ماء زهرة القرنفل ..
يجدها في يقظة كل هذه الأشياء الصغيرة ..
مع شقشقة العصافير
في الصباح الباكر الندي ..
يحاول إمساكها ..
لكنها تنزلق بين أصابعه ..
بيضة مسلوقة تخلصت من معطفها الكلسي .
الشاعر الذي يقيد أنثاه بقيود الليل البوهيمي ..
شاعر اخرق ..
خرق حاجز الصوت المرهف ..
الشاعر الذي لا يصبح " جندر" ليس بشاعر ..
الشاعر ينتصر للأنوثة والذكورة معا ..
لا يكتب الأنثى كل يوم بطريقة العرض والطلب ..
بطريقة قائمة الحسناوات ..
اختر ما تشاء ..
من المقبلات اللبنانية ..
أو الحلويات الفرنسية ..
أو المشويات المكسيكية ..
أو المخللات العربية ..
أو السلطات الحريفة ..
أو اللزانيــــا الساخنة ..
طريقة مطاعم الغواية الذكورية ..
عندما يموت الشاعر ..
يفرغ قلمه من حبر الأنوثة الزئبقي ..
يسقط للشعر صومعته ..
وتتهاوى الايونات ..
تحترق الخيمات ..
تتطاير المدونات ..
شعر بلا بحور ..
قصائد بلا نحور ..
يضيع تردد الأنثى عبر الأثير ..
ويعلن حداد الشعر والشاعر ..
موت الشاعر ..
موت أقسى من موت العظماء ..
وموت القادة والساسة ..
وموت المخترعين والفلكيين ..
فبموت الشاعر ..
تموت الأنثى ..
تموت القصائد ..
وينطفئ الموقد المقدس لنيران الحياة .