كثيرا ما يتحدث بعضنا عن أصله و نسبه فيتفاخر بذكر انتماءه للجزيرة العربية و كثيرا ما يتباهى بجذوره التي من سلالة الحسن والحسين والتي تعود الى عائلة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم..و هذا جميل..جميل أن ننتسب الى هذا الشرف العظيم ..فترى الفرد منا يعظم من شأنه بقوله "أنا من جذور شريفة و اننا من شرفاء القوم "كما يوجد كثيرا لقب "الشريف" في البلدان العربية شأن محمد الشريف أو علي الشريف و غيرهما من فلان الشريف و فلانة الشريف انتسابا للقب العائلة..و عندما نتحدث عن الفخر بانتسابهم لصفة "الشرف" فالمقصود هنا بعبارة "الشرف"و "الشرفاء"هو تحديدا" النبل" و" النبيل" و" النبلاء" و لا يحيد هذا المعنى عن معنى "الشرف" فكلاهما يؤدي نفس المعنى و يعالج نفس الغرض..دعونا نلقي نظرة على الزمن القديم ..لو تمعنا جيدا في التاريخ سنجد أنه مقسوم الى عائلات مالكة و أخرى عادية أي أن نجد مقهوم الطبقية ذو جذور عميقة ..فنجد الأثرياء من القوم و أصحاب السلطة يمتلكون الحق في التعليم و المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ..و تلقنوا سبل العلم بكل جوانبه و أبوابه و لقنوا أيضا الاداب والسلوكات العامة ..فينحصر فيهم حسن التصرف و اكتساب الخلق-طبعا اني أتحدث بصفة عامة-والمعروف أن مفهوم الطبقة الغنية هو " ما تمتاز به من مستوى ممتاز من التعليم و الصحة والثقافة والسلطة "كما كان يسمح فقط لطبقة النبلاء بالتبرج والزينة أما العوام فلا يسمح لهم بذلك طبعا للتفرقة بين الطبقتين ..اذا لنرى أن مفهوم" الشرف" هنا و النبل هي "المرتبة الاجتماعية" لا أكثر و بما أنه مرتبة اجتماعية في مفهومها فطبيعي أن تتسم هذه الطبقات بحسن الخلق و الأخلاق حسب ما لقنت لأنها أخذت القدر الكافي من التلقين و الايتيكات و حسن السيرة والتصرف بالاضافة الى سد جميع احتياجاتهم المادية
الا أن المفهوم الأوسع للشرف هو مدى نبل الانسان مع ذاته و تجاه غيره و حسن خلقه ولست أتحدث هنا عن حسن الخلق بارتباطه بالجسد أو الناحية الجنسية كما يتبادر الى الأذهان.. فأن يكون الانسان" نبيلا" أي" شريفا" فذلك اذا اقترب من صفة الكمال –والكمال لله وحده-طبعا كمال الانسان من خلال نزاهته على غرار صفات النبل الأخرى..كالنزاهة في الحكم مثلا فقد قال الله تعالى" ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها" والنزاهة في التعامل مع الاخر و قول الحق و "لو كان مرا"و أن نبتعد عن الشر بكافة أنواعه..ان مفهوم" الشرف "هو مفهوم الخلق بكل اتساعه فقد قال رسول الله –صلى الله عليه و سلم-"المسلم من سلم الناس من لسانه و يده-رواه أحمد- فأما لسانه فهو نتيجة لما يتبادر في قلبه من حقد و بغض و ما يوجد في أحاسيسه من نار الشر الموقدة و ما يتغلغل في تجاويف ذهنه من رغبة في الاساءة الى الاخرين..فينتج عنها الكيد و تنتج عنها الضغينة والكراهية ..و أما مفهوم اليد فهو نتيجة لما سبق عن الذهن و ما يلوث به الانسان ذاته و غيره... و قدم الرسول صلى الله عليه و سلم" اللسان" عن" اليد" لأن اللسان هو الافة التي قد تدمر علاقات و بيوتا و شؤونا بأسرها ..و لا نقصد هنا تفضيل السكوت عن الكلام..بل بالعكس فانما جاء الانبياء بالكلم لا بالصمت ..و لكن أن يلتزم الانسان في كلامه و أن يتلفظ بما يهدىء النفس و يطمئن السريرة و يقرب الناس اليه و أن يتسوك المرء بالقول الحسن فقد نصحنا الله تعالى بحفظ اللسان و المقصود به- لا الصمت- بل حسن القول وادابه.. فقد قال الله تعالى"ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد"صدق الله العظيم..و الكلام في الحق و بالحق ..كما يكمن مفهوم "الشرف" في عدم استغلال العاملين و اعطاء كل ذي حق حقه.. و اكتساب الشرف في عدم أكل مال اليتامى و الضعفاء..و التخلص من حب الذات و النفاق و الرياء و الغش و الكذب ..كلها تدخل في صفة الشرف..الا أن مفهوم "الشرف" الان قد انحصر في دائرة واحدة مغلقة لم يحد عنها فقد أصبح مرتبطا بالخطيئة الجنسية لا أكثر و لم يعد يتخذ المعنى الأكثر عمقا ..فنراه مرتبط كل الارتباط بالرجل و المرأة فالرجل يرتبط شرفه- لا بأخلاقه- و لا بما يقدمه لنفسه و لعائلته و لزوجته و لثقافته و لعلمه من تقدم و قيمة.. بل شرفه محصور في ارتباطه بزوجته و أخته و ابنته و أمه بالمعنى الجنسي للكلمة..فان انتهك عرض احداهن جنسيا فانه أصبح لا يتمتع بصفة الشرف و لابد له أن يسترجع هذه الصفة بسفك الدماء ضانا منه أنه طهر ذاته و طهر ضحيته من براثن الفضيحة ..فأضحت الجريمة محللة بتسميتها" بجريمة الشرف"..في الحال أنه هناك الكثيرات اللاتي فقدن أغشية بكارتهن رغما عنهن و لكنهن شريفات عفيفات طاهرات..و الكثيرات أيضا من تحتفضن بأغشية بكارتهن مع ممارستهن للدعارة بصور خفية لا تبدي شيئا ..فمن الشريفة من غيرها في هذه الحالة..و الكثيرات من المغتصبات اللاتي يذكر عنهن أنه وقع انتهاك شرفهن ..فمن قال أنها اذا اغتصبت رغما عنها قد انتهك شرفها... اذا هي فعلا انسانة شريفة لم تقع في الخطأ ..كما لا يمكننا أن نحصر معنى الشرف في البنت أو المرأة فقط بل أيضا هناك الرجل الشريف من عدمه....كما لا يفوتنا أن نذكر الرجال التي تزوج بناتها دون علم منها أفلا يعتبر هذا انتهاك للشرف بارغام بنت على معاشرة رجل لم تختره بنفسها ..أليست ممارسة جنسية غير شرعية مختفية في ورقة شرعية..أليس هذا انتهاكا للعرض و الشرف.....