وبالرغم من ذلك ، عندما نتأمل بعمق ، نجد أننا تألمنا وتنفسنا الخوف والألم والاضطهاد وشتى أنواع القهر والكبت في سبيل البحث عن ذاتنا المفقودة وسط صراع طويل نتج عنه وطن جريح يحمل قضيته أمانة على كتفيه .. فمنا من حمل الأمانة ، ومنا من ضجر من حملها ، فلم يسئ للوطن لشدة حبه له ، لكنه أساء للآخرين ، بجلده لهم من خلال ممارسته للقهر الأخوي عليهم دون أدنى شعور بتأنيب الضمير .. لتتغير أخلاقياته وسير تعامله مع أبناء مجتمعه لمنتهى العنف والقسوة ..
أصبحنا نشاهد في حياتنا اليومية شتى مظاهر العنف بأنواعه الجسدية والمعنوية والتي باتت وكأنها لغة من لغات العصر في الحوار مما يثير الجدل والاهتمام ، فما نراه اليوم من مشاهد عنيفة هنا وهناك ، لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية ، أما عن أوضاعنا الاجتماعية الصعبة والتي ينتشر بها القهر والظلم والاضطهاد فحدث ولا حرج ، لتتجلى إفرازاتها بقيام المرء بردات فعل عكسية لتتخذ من العنف طرقاً للتعبير والتعامل مع الآخرين .
نسمع الكثير من العبارات القاسية جدا ، هذه العبارات التي قد تكون من صديق مقرب أو زميل أو رفيق أو أخ أو أستاذ أو موظف حكومي أو زوج أو أو أو ... لنسمع منه الكلمات الجارحة لتكون هي الأسوأ بآثارها على النفس .. فالعنف المعنوي هو أشد أنواع العنف فظاظة وآثاره تبقى عادة أكثر بكثير من أي عنف جسدي ، فقد تولد كلمة صغيرة آثاراً عميقة في النفس لا تندمل ولا تبرأ أبداً ، فالجراح والعظام المكسرة تجبر وتنتهي بالشفاء ، أما الجراح النفسية فترافق الإنسان حتى الموت ...
جميع القوانين والأعراف والشرائع تمنع شتى أنواع العنف وتعاقب عليه ، إلا العنف المعنوي فهو حر طليق دون أي عقاب يذكر !
فظاهرة الألفاظ البذيئة المنتشرة بشكل واسع وخاصة بين أفراد الجيل الشاب ، لا يخلو أي مكان عام منها وممن نسمعهم يجاهرون بها ، فها نحن نسمعها تتردد أثناء المزاح والضحك والمداعبة ! ومما يثير الاستغراب انتشار الألقاب بأسماء وأوصاف سيئة وغريبة جدا أو مثيرة للسخرية ! ليتم تداولها بكثرة وبشكل يومي لتتعود الأذن عليها ! وهذه الظاهرة القبيحة والخطيرة على المجتمع تكاد تصبح متقبله وعادية جدا ! وها نحن نسمع هذه الألفاظ في الشوارع والأماكن العامة والأسواق وكأنها موضة جديدة !
الكلمة مسؤولية جماعية وإنسانية .. علينا أن نحافظ على ألسنتنا لنكون قدوة لأبنائنا وللأجيال الصاعدة ، وعلينا بتربية أبنائنا على نبذ العنف اللفظي والمعنوي وتعويدهم على الكلمة الطيبة النافعة ، فالأسرة التي تربي أبنائها على السب والشتم والصراخ لا تورث أبنائها إلا ذات الصفات والتركيبة الشاذة !
لنحارب كل الممارسات التي تؤدي إلى تشجيع العنف في اللفظ أو القول واستمراره ، ولتخلو كلماتنا من الألفاظ القاسية السيئة والبذيئة ، التي تسيئ وتؤلم مشاعرنا عندما نسمعها ، لنعلم أبنائنا بأن الكلمة الطيبة الصادقة هي وحدها الكلمة الباقية والمثمرة ، فهي لا ولن تذهب أدراج الرياح ، فهي تنتشر بعبقها ، لتؤثر سريعا بمشاعر الآخرين وأحاسيسهم ، فتأسر قلوبهم بالمحبة ، فكم من كلمة طيبة تداوي جراحا عجز كبار الأطباء عن مداواتها