سمر الأغبر - فلسطين
وبرغم أن وضع المرأة الفلسطينية مشابه لوضع أخواتها في المحيط العربي والإقليمي والى حد ما الدولي من حيث مطالبها وقضاياها التي هي قيد النقاش والبحث والنقد والتقييم, إلا أن مستوى تطور أوضاع النساء في كل بلد يرتبط بطبيعة الثقافة السائدة في مجتمعاتها, وهناك خصوصية تميز نساء فلسطين عن سواهن, حيث أن معركة التحرر الوطني في بلادنا فلسطين أثبتت قدرة متميزة للمرأة بسبب مشاركتها فيها، حيث أُجبرت على تغليب الهم الوطني على حساب قضاياها الاجتماعية المطلبية، ولم تلاقي في الوقت ذاته إنصافا لدورها بما يوازي مستوى تضحياتها ونضالها ضد الاحتلال الإسرائيلي .
بالمرور سريعا على مجمل تطور النشاط النسوي في فلسطين ,حيث بدأ تجميع النساء من خلال العمل الإغاثي في مطلع العشرينات مع مشاركتها في الإحتجاجات ضد سياسة الإنتداب البريطاني والهجرة اليهودية, وكان تأسيس أول اتحاد نسائي فلسطيني في بداية العشرينات من القرن المنصرم, ومن هنا بدأ التركيز على القضية الوطنية,حيث شاركت النساء في أعمال المقاومة ونقل السلاح, ولكن وبعد النكبة بدأ الدور النضالي لها بالتراجع لصالح الأعمال الإغاثية والخيرية بسبب ما اتسمت به المرحلة من خسارة مادية ومعنوية عانى منها الشعب الفلسطيني بأكمله.
وبرغم الكثير من المكتسبات التي تحققت لاحقا لصالح المرأة, إلا أن الوضع الجديد مع نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية شكل ثورة أصابت أولويات العمل النسوي, وبدأت مشاريع وبرامج مؤسسات ال (NGO,S) تسيطر على عمل المؤسسسات النسوية, وبدأت مجموعه من المفردات والمصطلحات تغزو قاموس هذه المؤسسات والتي بدأت تتشردق بها الورش والدورات واللقاءات، وقد ترافق ذلك مع استبدال مجموع القيم الطوعيه التي تجذرنا عليها لصالح ما اُغدق على تلك المؤسسات والفئات المستهدفه من مغريات مادية, وفي حاله من غياب او تغييب المرجعية الفكرية والأيدولوجية لعمل هذه المؤسسسات وما رافقها من هجرة للقيادات النسويه من أطرها النسوية وحتى من أحزابها السياسية، حيث كان من المفروض عليها مواجهة "تسونامي" مؤسسات " الأنجزة " ومشاريعها، لصالح ما نشأت وترعرت عليه من فكر كان بامكانها الاستفادة منه كأساس لاطلاق مبادرات نسوية تقوم على أسس فكرية وأيدلوجية تقدمية.
شاركن نساء فلسطين بهمة خلال السنوات السابقة على تعديل وسن قوانين تقلص حجم التمييز والظلم الواقع عليهن, مستندات إلى وثيقة الاستقلال وما حملته من مضامين للمساواة والعدالة, حيث تم الإعلان عن الوثيقة النسوية في المراحل الاولى لنشوء السلطة كمرجعية وأساس لتشكل الروح والمرجع الأساس للمشرع, حيث تم تطوير الوثيقة لاحقا, ورغم ما تضمنته الوثيقة من تطور في الخطاب النسوي من حيث تأكيدها على حقوق المرأة ومساواتها في جميع المجالات, الا أنها خلت من مرجعيات فكرية لتناقش وتحلل أوضاع النساء وتضع الطموحات والإستراتيجيات وآليات العمل التي تضمن الوصول الى المساواة الحقيقية، وبناء مجتمع مدني يحتكم الى المواطنة الكاملة والمتساوية لجميع مواطنيه امام القانون بغض النظر عن الانتماءات الدينية او الجنسي لمواطنيه .
ومن أحد التجارب المهمة في تاريخ نساء فلسطين كانت تجربة البرلمان الصوري، الذي كان هدفه الرئيسي مناقشة مسودات القوانين والضغط على المشرع في محاولة لصياغة قوانين تضمن يناء مجتمع مدني قائم على المساواة, الا أن هذه التجربة مُنيت بالفشل لما رافقها من حملات تشهير وحرب مُعلنة من المجموعات التقليدية, ولم تجد من يحتضنها ويدافع عنها خصوصا من أحزاب وفصائل اليسار, والتي كان من المفترض منها تبنيها والدفاع عنها نظرا لتقاطعها مع فكرها ونهجها.
وبرغم مجموع المكتسبات الإصلاحية والتي تعاملت مع قضية المرأة بسياق مُهادن مع ثقافة المجتمع والمرجعيات الدينية والتشريعية, الا أنها لم تستطع حتى الآن ترسيخ مفهوم المساواة الكاملة، وعجزت عن الحد من التمييز في المجتمع الفلسطيني, وذلك حسب اعتقادي لافتقارها إلى المنهج الثوري والى المفكرين/ات الذين يستطيعون وبصورة واضحة ربط قضايا المرأة بالسياقات التاريخية والدينية والطبقية التي أدت إلى نشوء واقع التمييز ضد المرأة,لينتجوا فكرا تقدميا يتعامل مع خصوصية المرأة الفلسطينية بجراءة وواقعية, إضافة إلى البحث في الوسائل الكفيلة بتعزيز وعي المرأة بقضاياها وحقوقها وبدورها في إحداث التغير المطلوب، لتحقيق أهدافهن وطموحاتهن في كافة المجالات والميادين.