صباح جميل ، هادئ من أحدى الأيام الربيعية، يشبه مثيله من الأيام الروتينية التي تعاقبت بسرعة فجعلت من فريدة أما لفتاة ثم لولدين.
مثالية إلى حد ما، صاحبة مبادئ و أخلاق قارة:الأسرة شيء مقدس، التضحيات أمور لابد من تواجدها أما التنازلات فهي قوام الأسرة الناجحة.
فريدة سيدة تستحسن السكربينة المريحة و ذات الألوان الكتومة فهي تساعدها على التنقل بحرية و خفة فركوب الحافلة ليس بالأمر الهين، أما الكعب العالي و رغم منظره الجميل على واجهات محالات الأحدية إلا أنه يبقى" مستفزا لما يحمله من تصنع و مبالغة" هكذا كان يقول خالد زوج فريدة و هي تشاطره الرأي.
و لعل هذا ما أثار فريدة في تلك الفتاة التي كانت تقف على بعد مترين منها.صارت فريدة تسترق النظر إليها كلما انشغلت الفتة بهاتفها النقال، "قد تكون بعمر' رنا ' أو تكبرها بسنتين على الأرجح " هكذا همست فريدة بخاطرها و هي تحدق بكعبها العالي الذي يكاد يفقدها التوازن، سروال 'الجينز' الضيق و القميص المزركش و على و شك التمزق. شعرها مصبوغ بني على أشقر و ماكياج وجهها ثقيل لدرجة أنه يمحي ملامحها الحقيقية، فهي النموذج المطابق لنسوة شاشات الستلايت .
"بلا هو العطر الذي ألبني" همست فريدة و هي مغمضة العينين ، استسلمت للرائحة الزكية التي أسكرتها و حملتها في طيات الذكريات، أيقظت أحاسيس الماضي ، فتذكرت أيام الجامعة و لحظات الهيام التي عاشتها آنذاك حب حياتها خالد زوجها....
لمعت عيناي فريدة ببريق اشتياق و نزوع "ربما على أن اشتري العطر بعد نهاية الدوام لقد تعاقبت أيام دون أن استعمله" هذا ما قررته فريدة ، الفتاة ذكرتها بأروع ما حمل ماضيها .
التفتت فريدة للصبية و هي ترسم على شفتيها ابتسامة شكر و ارتياح....و إذا بسيارة تقترب بمهل لتصف أمام الرصيف، اقتربت الفتاة ركبت و ما إن أقفلت الباب حتى أحست فريدة أن صوتها يختنق، حاولت أن تصرخ لكنها لم تستطع، هناك حمل ثقيل يكبس على صدرها، يسلبها التنفس شيئا فشيئا.