أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

وكذلك النساء... متواطئات مع تأبيد اضطهادهن..

تساهم المرأة إلى حد بعيد، بل مريب غالبا في الحفاظ على مكانتها كمضطهدة ومنقوصة الحقوق، بل تساهم في تأبيد الوجع الذي أورثتها إياه بعض العادات الاجتماعية السلبية المتوارثة جيلا بعد جيل، و الفهم (و _أو) التطبيق الخاطئ للأديان، إضافة إلى التواطؤ المجتمعي مع بعض القوانين، وبعض الموروث الثقافي والديني والسياسي، الذي عزز مكانة الرجل، محملا إياه إرثا من الظلم والقهر تجاه المرأة، ناقلا حالة السكن والمودة والرحمة بينهما إلى حالات من الاحتراب الدائم الذي يهدم أول مايهدم الخلية المجتمعية الأولى وهي "الأسرة "، ليرفع المنتصر منهما راية انتصاره الوهمي على أنقاض خراب الأسرة، وتدمير جميع روابطها المقدسة، على عتبات حرب وهمية خلقت بين الجنسين لتدمير مقدراته، وتخريب العالم بخراب حياتهما.

وتعمل المرأة على نقل ذلك الإرث الذكوري بأمانة من جيل إلى جيل على شكل مقولات معلبة، وممارسات متوارثة، لما تستطع بعد الخروج من أسرها نحو دائرة التثوير في كل ما يعادي، ويعاكس إنسانيتها و مساواة فرصها بالآخر ، ويحقق لها العدالة الاجتماعية بما يتناسب مع ما وصلت له من مراحل متقدمة،

وفي ذلك يقول الناقد والباحث السوري بوعلي ياسين محيطا بالمشكلة من كل جوانبها :

"ليس مأزق اللغة العربية إلا تمظهرا للمأزق الثقافي الذي يقصي المرأة ويغيبها، ويشارك في هذا التغيب المجتمع العربي بجميع عناصره وفواعله، بما في ذلك المرأة التقليدية، وكذلك العصرية.

فمن الملاحظ أن المرأة العربية العصرية، مثلها مثل التقليدية تربي عموما ابنها على أن يكون رجلا مثل أبيه، أي متميزا عن النساء وممتازا عليهن.
وتربي ابنها على التكيف مع الواقع المفروض ذكوريا، وعلى دونيتها بصورة أو بأخرى.

فهذه المرأة العصرية التي ناضلت إلى هذا الحد أو ذاك، بصخب أو صمت، من أجل أن تكسب بعضا من حقوقها، هي نفسها تعيد إنتاج ظروف متناقضة، مع سعيها التحرري نحو المساواة، بل إن سلوكها التربوي يماثل إلى حد بعيد ماكانت تقوم به أمها وجدتها.. "*

وبذلك لا يفرق بين المرأة القديمة أو العصرية، فهما تدوران في النطاق ذاته تعد الإبنة اجترار مقولات الأم التي بدورها تقبع كحارس أمين على معتقدات الجدات وهكذا دوالي، و لايمكنني إنكار أهمية وشمولية ماأكده الناقد ياسين، إلا أنه وقع في خطأ تعميم التجربة، وغلق باب الإستثناءات ومحو جزء مهم من الذاكرة والأسماء الكبيرة التي قادت مراحل الوعي، وتمظهراته قديما وحديثا، فكرا وبطولات، تحديا و خروجا صحيحا عن المسارات، حالات فردية أو جماعات، إن على شكل كتابة أو فكر أو تأسيس صالونات أو جمعيات، أو أحزاب، أو صحف، أو مجلات، أو مواقع إلكترونية، في محاولة لتغير هذا السائد المغلوط الذي آن له أن يتبدل بتبديل بعض الجذور المتوارثة العفنة التي انتقلت جيلا بعد جيل، دون أدنى تفكير أو مناقشة أو حوار ، في نجاعتها، والفائدة التي قدمتها أو التي قد تقدمها للمرأة والرجل والأسرة والمجتمع، إلا المراوحة في المكان، وتعميق الأمراض الاجتماعية، وزيادة حدتها، وعجزها عن إيجاد حلول للمجتمع، عدا التخلف عن ركب الحضارة، التي بدأت تستبدل الذكاء الصناعي بالإنسان، فيما تعجز الشعوب العربية عن التخلي عن بعض عاداتها وبعض موروثاتها السيئة، رغم معرفتها بها، خوفا من الخروج عن المألوف، وحفاظا على الموروث، وإن كان سيئا.

*بو علي ياسين، أزمة المرأة، ص 134.
تعليقات