حاورتها:فتيحة النوحو-المغرب-خاص بـ"وكالة أخبار المرأة"
* ثمة أصوات و هي تمثل غالبا العامة تعتبر التشكيل أو الرسم إما إعادة نقل حينما يتعلق الأمر بالتشخيصية البورتريه أو الطبيعة الميتة ،وإما مجرد خربشات ألوان وأشكال بالنسبة للسوريالية والتجريدية ،هل يعزى الأمر إلى محدودية الثقافة البصرية ببلدنا وانحصارها في المهتمين الذين يشكلون أقلية ؟
- لا يمكن الحجر على المتلقي الذي من حقه تماما إبداء رأيه / فالتشكيل كمجال بصري يبقى مفتوحا و ترد فيه الكثير من الآراء المختلفة تنتج عن تفاعلات نفسية وجدانية آنية ،فغالبا ما يُكون المتلقي العادي انطباعه من اللقاء الأول مع العمل الفني، والأثر الذي يترتب عن تلك النظرة الخاطفة في اللحظة ذاتها ، فيما تتسم نظرة المتلقي المهتم بالتأني والتروي ،مع أخذ الوقت الكافي للتفحص والمعاينة وان كان تقييمه للعمل لا يخلو من شيء من الذاتية، فالموضوعية في الرؤية صعبة التحقق بإطلاقية ، لكن الأهم بالنسبة لي هو أن هناك تنامي في الإقبال من قبل المغاربة من مختلف المشارب و الأعمار في السنوات الأخيرة على زيارة القاعات الفنية لمشاهدة المعارض بدون أي تردد أو خوف من ولوج هذه الفضاء الفني أو كون الزيارة غير مسموح بها إلا بالأداء، ففي التسعينات من القرن الماضي عندما كنت أقيم المعارض ببعض المدن المغربية ، واجهتني مثل هذه المواقف ،كان هناك بعض من المارة يقفون عند باب القاعة ولا يدخلون خوفا من أن تكون الزيارة بمقابل ، وكنت أدعوهم للدخول إلى القاعة واشرح لهم أن الأمر مجاني وما عليهم إلا أن يزوروا الأروقة الفنية كلما رغبوا أو سنحت لهم الفرصة بذلك ، وان لم تكن لهم نية اقتناء الأعمال، هذا التردد من دخول الغاليرهات يوجد أيضا في الدول الغربية لكن بطريقة مختلفة ، لان هناك طبقة اجتماعية ليس بمقدروها الشراء و يطالها الحرج ان تدخل للزيارة فقط لذا الفنان يكتب كيافطة خارج القاعة تحمل عبارة Entrée libre
فالثقافة التشكيلية تتأسس من خلال التعود على مشاهدة الأعمال الفنية واللقاءات المباشرة مع مبدعيها للتعرف عن قرب عن الفنان وفنه ، فعلينا الابتعاد من مرسمنا لفك العزلة على عالمنا التي نكون فيها نحن في طور الانجاز الفني ، والانفصال عن الدائرة التي نكون فيها في المرسم لمشاركة الآخرين إبداعاتنا والاستماع لآرائهم وربط الجسور مع المتلقي ،وهذا لا يتأتى طبعا إلا بالخروج بأعمالنا وبأنفسنا إلى العلن وهذا شيء ايجابي للطرفين.
* منذ بداية مسارك إلى الآن بعد مراس ملفت لمدة تفوق اكثر من ثلاثة عقود في هذا المجال، هل تغير مفهومك للفن التشكيلي ؟
الهم الإنساني لم يغادرني رغم تطور تصوراتي الفنية التي وددت عبرها كسب مهارات تقنية تؤهلني بالتعبير بأساليب أخرى ، او بالتحديد من خلال مدارس مختلفة كالسوريالية التي انعطفت إليها و أتاحت لي ملامسة الألم الباطني للإنسان من خلال التأمل في الأرواح وانقباضاتها الجوانية التي عكستها حركة الأجساد المنتفضة في بعض اللوحات، والتي تأخذ شكل الأنثى بجذوع تشبه أغصان الشجرة ، فالروح هي كائن حي مؤنث يسكن الجسد المذكر، وأي أنين يخترق كل منهما ينعكس سلبا على الآخر.
*هل تؤمنين بالنسوية في فن التشكيل ؟
- لا أحبذ مفاهيم الميز سواء في الإبداع ولا حتى على مستويات أخرى ،التعبير عن أفكارنا وعن تمثلاتنا للحياة وعناصرها المختلفة المؤثثة لها بما فيها الذوات البشرية ،لا تطبعه الجنسانية بل مرجعياتنا الشخصية وتجاربنا وتأملاتنا ورؤيتنا الذاتية ، ورغم أنني اشتغلت على ثيمة المرأة والعنف الممارس عليها من خلال معرض الذي أقمته عام 2016 حيث عرضت الأعمال التي تقارب هذه القضية على اللوحات الاشهارية بشوارع مدينة ميو الفرنسية ، لكن لا اعتبر انشغالي بالموضوع جندريا ، بل لأنني كائن لا يحب الظلم ولا القهر ولا الميز، فحتى المعرض الذي تلاه مباشرة و الذي أقيم بفرنسا أيضا والذي تناولت فيه قضية التضاد في اللون بالمعنى الإنساني ، كان هدفي هو إبداء وجهة نظري الفنية والإنسانية في قضية التجاذب والصراع بناء على اللون أو الدين أو الإثنيات.
* هل تعتبرين اللوحات الفنية التي توضع على أغلفة الكتب فقط واجهة تجميلية أم جزء من المحتوى ؟
- صاحب اللوحة هو الذي بيده أن يختار بين أن يكون عمله مجرد إكسسوار أو جزء من المحتوى وامتداد لمضمونه ، فالفنان هو الذي يفصل في الأمر ، لأن الكاتب أو الشاعر ينهي ما ألفه ويقدم لك المؤلف لتقرأه ، فتتصفحه عدة مرات لتستنبط الفكرة الأساسية التي يتأسس عليها الكتاب، ومن تم تبدأ في تصورها فنيا لتشتغل عليها ، أحيانا قد تجد لديك لوحة جاهزة تناسب مضمون ما كتب ،او تجيب على ما يطرحه الكتاب ، فالتشكيل ليس بالطلاء كما يعتقد البعض ومنهم حتى الممارسين له، بل هو كتابة بطريقة خاصة لمن يود التعبير وتمرير رسائل ومواقف.