من المنفرات الأوسع انتشارا في مواقع التواصل أن يلتصق كثيرون من طالبي المنافع والمكاسب بما ينشره قادةُ الأحزاب السياسيون، يعظمونهم، ويُجرعونهم معلباتٍ من الغرور والانتشاء، معتبرين أقوالهم حِكما خالدة لا تجري إلا على ألسنة الفلاسفة والبُلغاء، وما إن تنتهي منافعهم وييأسوا حتى تصبح أقوالُ هؤلاء الزعماء أبرزَ تفاهات العصر، لا تصلح إلا لسلات المهملات!
ومن المكروهات واسعة الانتشار أن يتخصص سياسيون وزعماء بارزون ممن فقدوا قدرتهم على التأثير الفكري والثقافي، وخشوا زوال هالاتهم السياسية والاجتماعية إنْ صمتوا، لذا فإنهم يحصرون أنشطتهم كلها في فن تصوير وجوههم مقبلين ومدبرين، متكئين وواقفين، مُكرّمِينَ ومُكرَّمين، مهنئين ومُعزين عدة مرات في اليوم الواحد، وهم يلبسون أطقم سهرات النوادي الليلية، أو يتدرعون بأثواب شيوخ القبائل والعشائر، ولا يقدمون مع صورهم أي طبق ثقافي أو توعوي!
من المكروهات أيضا خاطفو وناسجو الأدعية والمقتبسات والحِكم، وإلصاقها بأسمائهم، واعتبارها دليلا لا يقبل الشك على الورع وعمق الإيمان، والأسوأ أنهم ينتحلون القدرة الإلهية، يُنذرون مخالفيهم بالتخليد في جهنم وبئس المصير، وهم يَعِدون ناشري أدعيتهم بجنة الرضوان في الدار الآخرة!
ومن الصور الأكثر نفورا تلك التي تُصور وجبات الطعام، والمشروبات والمأكولات التي تستحلب شهوات الفقراء والمعدمين، كل تلك الصور تجلب البغضَ والكره لصاحب الصور، حتى وإن حظيت بمجاملات المعارف والأقارب!
هناك منفِّرات أخرى عند بعض المنسوبين للشعر والرواية والكتابة، ممن ظنوا أنهم صاروا رموزا مشهورين بعد أن نشروا أوراقا مطبوعة خالية من بروتينات الثقافة والدسم العقلي، أوراقا مملوءة بكلسترول الكلمات المتقاطعة، وأحاجي المعاني المستغلقة، والتهويمات السريالية، هؤلاء انتشوا بكتبهم التي طبعها ناشرون مصابون بفقد حاسة الشم والذوق الفنية والأدبية من تجار الأغلفة البرَّاقة!
هؤلاء (الأدباء) لم يقنعوا بنشوة صورهم المطبوعة على أغلفة الكتب، بل صاروا يطالبون شعوب العالم باغتنام آخر فرصة لاقتناء دُرر إبداعاتهم، ينصحونهم أن بكدوا بحثا في الأرض عن كتابهم المنشور، قبل أن تنفد آخر نسخة من السوق، وتضيع عليهم فرصة العمر، وكأن كتبهم المنشورة هي المنقذ الوحيد من ضلال الجهالة، وهي الطريق الأصوب لدخول عالم الثقافة والوعي!
أخيرا فإن أخطر المنفرات الانتقامية تظهر فيمن ظنوا واهمين أنهم يملكون القرار في إدارة صفحاتهم الرقمية، فاستخدموا التهديدات بأسلحة الرقميات الفتَّاكة لكل من يخالفهم في الرأي، مثل التهديد بفرض عقوبة المنع (بلوك) على المخالفين في الرأي، ثم فرض عقوبة الطرد من جنة نعيم الصفحة بإلغاء صداقتهم، وأخيرا فإنهم ينصبون لهم المشنقة لتنفيذ عقوبة الإعدام الفورية، وذلك بإرسال شكوى لإمبراطور الفيس بوك تفيد أنَّ تعليقات هؤلاء المخالفين تنتهك المعايير القانونية، لكي تُنفَّذ في صاحب البوست المكروه عقوبة إغلاق صفحته الرقمية، وهي الإعدام بسلاح الإسكات الرقمي!
لا أحد يمكنه أن يُصدق ما يحدث عند أهلنا المناضلين الصامدين في أرضهم منذ عالم 1948! لا أحد يُصدق أنهم اليوم يعيشون تحت رحمة عصابات الإجرام المنظمة، وهي تعمل في وضح النهار، أمام عدسات الكاميرات، تقتل وتبتز لهدفٍ واحد هو تحويل حياة أهلنا الصامدين في أرضهم إلى جحيم، وترحيلهم ترحيلا زاحفا! لا أحد يُصدق أن إسرائيل ذات الذراع الاستخباري فائق القدرة لا تستطيع تفكيك هذه العصابات! هذه الجرائم ليس كما يُشاع جرائم فردية، ينفذها مجرمون من أهلنا الصامدين، أو هي ثاراتٍ عائلية وقبلية كما يسميها المحتلون الغاصبون، بل هي خطة استخبارية احتلالية محكمة، فاعلوها يحظون بالرعاية والحماية، لأنهم ينفذون مخططا تهجيريا يختلف عن مخططات التهجير التي برع فيها المحتلون، ففي غزة يتم التهجير بالحرب والحصار والتدمير، وفي الضفة بالمداهمات والقتل المنظم كل يوم، وفي القدس بالضرائب والحواجز!
من يتابع نشرات الأخبار في وسائل الإعلام الإسرائيلية يستغرب لأن معظم وسائل الإعلام تبدأ كل صباح في خبرها الأول بحادثة قتل لأهلنا الأبرياء، هم يّذكروننا أيضا في الخبر نفسه بآخر إحصاءات عدد القتلى، وهذه تقنية إعلامية استخبارية مهمة جدا لإثارة الفتنة المجتمعية والنفسية، تجعل أهلنا يعيشون على أعصابهم حتى يختاروا الرحيل! نشرتْ معظم صحف إسرائيل خبرا عن حادثة قتل أحد الشبان البدو في مغتصبة أوفاكيم يوم 10-6-2023م وجعلته هو الضحية رقم مئة لحوادث الإجرام والقتل بين أهلنا الصامدين في أرضهم منذ خمسة شهور، كنتُ أظن أن قاتليه هم عصابة إجرام منسوبة للفلسطينيين على خلفية الثأر والانتقام! غير أنني بحثتُ عن سبب القتل المنشور في الصحف، فوجدت أن المقتول حاول سرقة معدات من أحد المستودعات، مما دفع الحراس غير الفلسطينيين أن يقتلوه، فهو لم يُقتل على يد عصابات الإجرام في القرى الفلسطينية، ولكنهم أدخلوه ضمن الإحصائية لإثارة الفتنة والشقاق!
لقد بلغ العجزُ ذروتَه عند كثيرين من أهلنا الصامدين فاستجاروا حتى بمشعلي الفتن حتى أن بعض المصابين بالقهر والإحباط استجاروا بالمجرم ببن غفير!
تذكرتُ منذ بضعة أيام عندما قُتل خمسةُ شبان في لحظةٍ واحدة في وسط مدينة يافة الناصرة أن بن غفير حضر في طائرة بصحبة عدد من الجنود ممن تفقدوا المكان، وكانوا يبتسمون ويمزحون وهم يعاينون الجثث!
أما نتنياهو مايسترو بن غفير وسموترتش غدا الملجأ الأخير للمعذبين الفلسطينيين هو بدوره قرر أن يشكل اللجان (لوقف) عمليات القتل المنظم في مجتمعنا الفلسطيني الصامد، نسي كثيرون استفادة نتنياهو من حوادث جرائم القتل لإزاحة القائمة المشتركة وتفكيكها، بعد أن أصبح المنتخبون يعتقدون أن القائمة المشتركة فشلت في حمايتهم، لهذا فإنهم أحجموا عن منحها أصواتهم، على الرغم من أن القائمة المشتركة نفسها منكوبة بالنكبة نفسها!