التوبة إلى الله جل وعلا من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها، ظاهرها وباطنها واجبة على كل مسلم في كل حين، لكن لتجديدها قبل العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج والعمرة؛ أهمية خاصة إذ التوبة من أسباب تهيئة القلب والأمر كما قيل: التخلية قبل التحلية).
فتخلية القلب وتطهيره من ذنوب الشهوات والشبهات لها فوائد، منها:
أولاً: تجعل القلب مستعدًا ومهيئًا للقيام بتلك العبادات، مقبلاً على ربه جل وعلا وذلك لزوال حجب الذنوب عنه، يقول ابن قدامة رحمه الله تعالى: (إن الذنوب حجاب عن المحبوب، والانصراف عما يبعد عن المحبوب (واجب).
ثانيا: يكون القلب مستعدًا ومهينًا لما يوضع فيه من «تحلية» وخير؛ يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده، وهذا كما أنه يكون في الذوات والأعيان، فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات.... فلذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه، إلا بتفريغه من تعلقه بغيره)
فالقلب إذا كان مشغولاً بالشهوات أو الشبهات لم يكن قابلاً ومتهيئًا لما يرده من معان إيمانية ونفحات ربانية.
وأما التوبة قبل الحج - ويدخل في ذلك العمرة- فقد حث أهل العلم عليها، ورغبوا فيها، يقول ابن قدامة رحمه الله تعالى: (ينبغي لمن أراد الحج أن يبدأ بالتوبة، ورد المظالم، وقضاء الديون، وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع، ويرد ما عنده من الودائع).
وتتبين أهمية التوبة قبل الحج والعمرة في أمور عدة، منها:
أولاً: أن قول النبي علي الي الاول : ( من ) حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
وقوله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) .
لا يشمل تكفير الكبائر، إذ الكبائر لا بد لها من توبة، وهذا القول هو قول جمهور أهل العلم، كما نقل ذلك الإمام النووي، والإمام ابن عبد البر، رحمهما الله تعالى.
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: (فالحج وغيره من صالح الأعمال من أسباب تكفير السيئات، إذا أداها العبد على وجهها الشرعي، لكن الكبائر لابد لها من التوبة) لما في صحيح مسلم عن أبي هريرة ، عن النبي «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ).
وذهب الإمام ابن المنذر - رحمه الله تعالى- من أهل العلم إلى أن الحج المبرور يكفر جميع الذنوب، لظاهر الحديثين المذكورين. ولكي يتحقق للمسلم تطهيره من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، ولتطمئن نفسه بخروجه من الخلاف في هذه المسألة، لابد له أن يتوب توبة نصوحًا من كبائر الذنوب الظاهرة والباطنة، وكذلك من التقصير في الواجبات الظاهرة والباطنة، عسى الله جل وعلا أن يخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا.
ثانياً: إن التوبة النصوح من أسباب تطهير القلب من أدران الذنوب والمعاصي وتهيئته للسير في مدارج السالكين والرقي في درجات المقربين، إذ المعاصي والذنوب حجب وأقفال على القلب تمنعه وتثبطه عن السير إلى الله جل وعلا.
فمتى ما تخفف العبد من أثقاله وزالت الحجب عن قلبه، سمت روحه، وعلت نفسه، فحينها يجد نشاطًا وإقبالاً على حجه أو عمرته، فيؤديهما كما ينبغي مستشعرًا أعمال القلوب في كل شعيرة من شعائرها. وعلى قدر قيام الحاج أو المعتمر بأعمال القلوب واستشعارها في أعمال الحج والعمرة تكون حلاوة العبادة ولذتها والأنس والطمأنينة والراحة في قلبه.
وأما من لم يتخلص من ذنوبه، فإنه يكون أسيرًا لها، حيث تكون حجبًا على قلبه قد تمنعه أو تقصر به عن القيام بأعمال القلوب في الحج أو العمرة ، وهذا له أثر في ضعف الشعور بلذة العبادة وراحتها والطمأنينة فيها.
والقلب إذا حجب بسبب الذنوب والمعاصي عن حلاوة الإيمان ولذة العبادة في شعائر الحج والعمرة؛ فقد تشغله نفسه بأشياء أخرى قد تكدر عليه حجه وعمرته.
وفي نهاية هذا المبحث تجدر الإشارة إلى شروط التوبة النصوح:
- ما كان في حق الله جل وعلا
- الأقلاع عن الذنب.
- الندم على فعله.
- العزم على عدم العودة إليه.
أن يرد المظالم إلى أهلها، إن كان لأحد عليه مظلمة من مال أو عرض أو غيبة أو بهتان أو نميمة أو غيرها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» قال : ( من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أُخِذَ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذَ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري رقم " 2449 ".
- أن تكون التوبة في وقت المهلة؛ وذلك بأن تكون:
- قبل غرغرة الموت.
- قبل طلوع الشمس من مغربها.