ومحبة الله جل وعلا والشوق إليه قد فُطرت عليها قلوب المؤمنين، ولكنها تزيد بالطاعات والإيمان وتنقص وتضعف بالذنوب والعصيان.
وقوة ذلك وضعفه وزيادته ونقصانه هو بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه).
وعلى هذا فالناس متفاوتون في الشوق إلى الله جل وعلا بقدر إيمانهم ومحبتهم الله جل جلاله، ويترتب على ذلك شعورهم بالطمأنينة واللذة والإنس بالله بقدر ما في قلوبهم من إيمان ومحبة وشوق له جل وعلا.
والشوق إلى الله جل جلاله من أعلى مقامات العبد وأرفعها وينقسم إلى قسمين:
- شوق إلى الله جل جلاله وذلك بالشوق إلى لقائه في الآخرة ، قال : (وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة).
- شوق إلى الله جل جلاله، وذلك بالشوق إلى قربه بالمسارعة إلى العبادات مشتاقًا وفرحًا بلقاء ربه والقرب منه، قال «صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم» عن الصلاة : (أرحنا بها يا بلال) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (جعلت قرة عيني في الصلاة).
فالمؤمنون تحن قلوبهم وتشتاق أنفسهم إلى بيت الله الحرام وما حوله من بقاع مباركة، رغم أنه ( بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) ، فلا أجواء خلابة تأسرهم، ولا أنهار وأشجار تجذبهم، ولعل هذا مما يجرد نياتهم وقصدهم الله وحده، فالحج والعمرة رحلة إيمانية وليست نزهة دنيوية، في بقاعها شعائر ومشاعر وألطاف ونوادر، رحمات ربانية، ومعان إيمانية لا تجتمع إلا في هذه البقعة المباركة.
يامن يطوف بكعبة الحسن التي ***حفت بذاك الحجر والأركان
ويظل يسعى دائماً حول الصفا ***ويحث من مسعاه كل أوان
ویروم قُربان الوصال على منى***والخيف يحجبه عن القربان
فلذا تراه محرمــا أبدا ومو ***ضع حلّـه مـنـه فـلـیـس بـدان
يبغي التمتع مفردًا عن حبه ***متجردًا يبغي شفيع قران
ويظل بالجمرات يرمي قلبه ***هذي مناسكه بكل أوان
فالأوائل رحمهم الله كانوا يسيرون إلى مكة رجالاً وركبانًا يقطعون المفاوز والقفار، والصحاري والبحار، تحـف رحلتهم الشدائد والأهوال، ويعتريهم نقص الأنفس والأموال. وأما في العصر الحاضر فالمشقة في التنقل بين مشاعر الحج والعمرة وذلك لكثرة الزحام.
وعندما يتم الحجاج والمعتمرون نسكهم - وقد جهدتهم مشقة الوصول، وعركهم الزحام - يحمدون الله على تمام العبادة ويرجون من الله القبول، ولربما وقع في نفوس بعضهم ألا يعود من قريب؛ ولكن ما إن تأتي مواسم الخيرات إلا والشوق والحنين يحرك قلوبهم، فيشتاقون إلى العودة من جديد.
- إضافة الله جل وعلا هذا البيت لنفسه المقدسة، وذلك في قوله: ( وَطَهَر بَيْتِي ) [الحج: ٢٦].
- قد جعل الله جل وعلا بيته العظيم (مثابة للناس) يثوبون إليه ؛ كلما صدروا عنه اشتاقوا إليه فرجعوا إليه من جديد.
وهذا الشوق الذي فطرت عليه قلوب المؤمنين له فوائد عدة، منها:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة : المحبة والخوف والرجاء، وأقواها المحبة وهي مقصودة تُراد لذاتها، لأنها تراد في الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فإن يزول في الآخرة).
وعلى هذا فمن أتى للحج والعمرة محبة الله جل وعلا وشوقا إليه مع ما في قلبه من خوف الله ورجائه، أعظم حالاً ممن أتى للحج والعمرة خوفًا من ترك ركن من أركان الإسلام أو واجب من واجباته، وكذلك أعظم حالا ممن أتى للحج والعمرة رجاء ثواب وغفران ذنوب.