من المنفرات الأوسع انتشارا في مواقع التواصل أن يلتصق كثيرون من طالبي المنافع والمكاسب بما ينشره قادةُ الأحزاب السياسيون، يعظمونهم، ويُجرعونهم معلباتٍ من الغرور والانتشاء، معتبرين أقوالهم حِكما خالدة لا تجري إلا على ألسنة الفلاسفة والبُلغاء، وما إن تنتهي منافعهم وييأسوا حتى تصبح أقوالُ هؤلاء الزعماء أبرزَ تفاهات العصر، لا تصلح إلا لسلات المهملات!
ومن المكروهات واسعة الانتشار أن يتخصص سياسيون وزعماء بارزون ممن فقدوا قدرتهم على التأثير الفكري والثقافي، وخشوا زوال هالاتهم السياسية والاجتماعية إنْ صمتوا، لذا فإنهم يحصرون أنشطتهم كلها في فن تصوير وجوههم مقبلين ومدبرين، متكئين وواقفين، مُكرّمِينَ ومُكرَّمين، مهنئين ومُعزين عدة مرات في اليوم الواحد، وهم يلبسون أطقم سهرات النوادي الليلية، أو يتدرعون بأثواب شيوخ القبائل والعشائر، ولا يقدمون مع صورهم أي طبق ثقافي أو توعوي!
ولعلَّ أكثر المنفرات شهرة تلك الصور الملتقطة في أماكن العبادات الدينية، لكي يثبت صاحب الصورة لجيرانه وأقاربه ومعارفه إخلاصه وعمق إيمانه، بحضوره الجسدي في أماكن العبادة، وهو يعتقد أن توثيق إيمان الجوارح الظاهري بهاتف الألفية الرقمية أولى من الإيمان المكنون في القلب!
من المكروهات أيضا خاطفو وناسجو الأدعية والمقتبسات والحِكم، وإلصاقها بأسمائهم، واعتبارها دليلا لا يقبل الشك على الورع وعمق الإيمان، والأسوأ أنهم ينتحلون القدرة الإلهية، يُنذرون مخالفيهم بالتخليد في جهنم وبئس المصير، وهم يَعِدون ناشري أدعيتهم بجنة الرضوان في الدار الآخرة!
ومن أكثر المنفرات شهرة تيجان لوحات التكريم الإلكترونية البرَّاقة الممنوحة بالمجان من جهاتٍ لها مسميات فخيمة، وهي في الغالب مكاتب دعاية وإعلان، يتولى إدارتها فردٌ واحد يملك جهاز كمبيوتر، وكفاءة في تصميم تلك الشهادات!
ومن الصور الأكثر نفورا تلك التي تُصور وجبات الطعام، والمشروبات والمأكولات التي تستحلب شهوات الفقراء والمعدمين، كل تلك الصور تجلب البغضَ والكره لصاحب الصور، حتى وإن حظيت بمجاملات المعارف والأقارب!
هناك منفِّرات أخرى عند بعض المنسوبين للشعر والرواية والكتابة، ممن ظنوا أنهم صاروا رموزا مشهورين بعد أن نشروا أوراقا مطبوعة خالية من بروتينات الثقافة والدسم العقلي، أوراقا مملوءة بكلسترول الكلمات المتقاطعة، وأحاجي المعاني المستغلقة، والتهويمات السريالية، هؤلاء انتشوا بكتبهم التي طبعها ناشرون مصابون بفقد حاسة الشم والذوق الفنية والأدبية من تجار الأغلفة البرَّاقة!
هؤلاء (الأدباء) لم يقنعوا بنشوة صورهم المطبوعة على أغلفة الكتب، بل صاروا يطالبون شعوب العالم باغتنام آخر فرصة لاقتناء دُرر إبداعاتهم، ينصحونهم أن بكدوا بحثا في الأرض عن كتابهم المنشور، قبل أن تنفد آخر نسخة من السوق، وتضيع عليهم فرصة العمر، وكأن كتبهم المنشورة هي المنقذ الوحيد من ضلال الجهالة، وهي الطريق الأصوب لدخول عالم الثقافة والوعي!
أخيرا فإن أخطر المنفرات الانتقامية تظهر فيمن ظنوا واهمين أنهم يملكون القرار في إدارة صفحاتهم الرقمية، فاستخدموا التهديدات بأسلحة الرقميات الفتَّاكة لكل من يخالفهم في الرأي، مثل التهديد بفرض عقوبة المنع (بلوك) على المخالفين في الرأي، ثم فرض عقوبة الطرد من جنة نعيم الصفحة بإلغاء صداقتهم، وأخيرا فإنهم ينصبون لهم المشنقة لتنفيذ عقوبة الإعدام الفورية، وذلك بإرسال شكوى لإمبراطور الفيس بوك تفيد أنَّ تعليقات هؤلاء المخالفين تنتهك المعايير القانونية، لكي تُنفَّذ في صاحب البوست المكروه عقوبة إغلاق صفحته الرقمية، وهي الإعدام بسلاح الإسكات الرقمي!
للأسف فإن إشعال الفتن والحروب والمدح، والفخر الزائف، وتوليد الأحقاد، والنقد التشويهي، والاتهام والتخوين بلا قوانين، هي أشهر بضائع سوق الألفية الرقمية، أما الغائب الرئيس في هذه السوق هو التوجيه والإرشاد، والتثقيف والتوعية، واستحداث مصانع تحويل الطاقات البشرية إلى إبداعات عقلية!