حاوره: محمد توفيق كريزم
على الرغم من التطور العلمي الهائل في مجال الطب، وابتكار أحدث الأجهزة والمعدات في التعامل مع الأمراض المزمنة، إلا أن قطاع غزة مازالت بنيته التحتية الطبية تعاني الكثير من الخلل والنقص في الإمكانات المادية والكفاءات الطبية البشرية، لاسيما ما يتعلق بطب الأنف والأذن والحنجرة.
الرأي التقت الدكتور الجراح إيهاب حسن الزيان الحاصل على الدكتوراه في جراحة الأنف والأذن والحنجرة وأورام الفكين والرقبة، من جامعة جاحبته التركية، وتعد أول دكتوراه ينالها طبيب فلسطيني من قطاع غزة في هذا التخصص، حيث تحدث حول مدى انتشار أمراض الأنف والأذن والحنجرة بين المواطنين، مستعرضاً في نفس السياق العمليات النوعية التي أجراها مستشفى بلسم العسكري.
وفيما يلي نص الحوار:
* ما مدى انتشار أمراض الأنف والأذن والحنجرة في قطاع غزة؟ وما مسبباتها؟
- حسب ملاحظاتي وتجربتي في هذا المجال فإن أمراض الأنف والأذن والحنجرة تنتشر بكثرة في قطاع غزة، وعلى نطاق واسع يفوق أي منطقة أو دولة أخرى، بسبب انتشار التلوث البيئي، والاكتظاظ السكاني، والازدحام الشديد، مما يؤدي بدوره إلى انتشار الميكروبات والبكتيريا والفيروسات والأوبئة بسهولة بين السكان خاصة الأطفال، وينتشر بصورة لافتة للنظر في العائلات الكثيرة العدد، كذلك يساهم في انتشار تلك الأمراض عوامل أخرى مثل قلة المساحة الخضراء المزروعة بالأشجار والنباتات في المدن، فيما البنايات بمختلف أشكالها وصورها ترتفع وتتوسع على حساب النظافة بشكل عام.
ويمكن وصف الوضع بشكل عام أن الأمراض الصعبة منتشرة فيما يتعلق بالأنف والأذن والحنجرة لكن يمكن السيطرة عليها.
* هل توجد أمراض محددة تصيب المواطنين بكثرة؟
- الأمراض هنا تبقى مشابهة للأمراض المنتشرة في العالم ولا يوجد فرق نوعاً ما، إلا أنه يجب التشديد في هذا السياق أن الأمراض الوراثية تصيب المواطنين أكثر من غيرها، مثل ضعف السمع الوراثي، وهذا المرض منتشر بشكل واسع بسبب زواج الأقارب، وهناك مرض الصم بالنسبة للأطفال، وللأسف المرض ينتشر بسبب عدم وجود زراعة القوقعة والتي أصبحت متطورة جداً في السنوات الأخيرة، وهذا المرض منتشر أيضاً بسبب عوامل بيئية وعائلية.
* هل تكثر أمراض الأنف والأذن والحنجرة في فصول محددة من السنة؟
- الأمر لا يتعلق بفصول محددة بهذا المعنى، فعادة تنتشر الأمراض الشائعة في فصل الشتاء مثل الرشح والأنفلونزا، لكن لا يمكن اعتبارها من أمراض الأنف والأذن والحنجرة التي تستدعي متابعة طبية دقيقة، وفي الصيف تنتشر الأتربة والغبار وقد تحدث نفس تلك الأمراض المنتشرة في الشتاء، وإجمالاً لا يوجد فرق بين فصل وأخر، لكن ما يهم الطبيب الأخصائي هي الأمراض المزمنة التي تحتاج إلى جراحة ومتابعة لفترات طويلة.
* ما طبيعة العملية الجراحية النوعية التي أجريتها في مستشفى بلسم العسكري لمريض يعاني من متاعب في الجيوب الأنفية ؟
- العملية عبارة عن جراحة مناظير للجيوب الأنفية، وتفاصيلها أننا ندخل المنظار بالأنف دون أي فتح خارجي، ويمكن متابعته من خلال جهاز المونيتور ونرى التركيب الداخلي للأنف والجيوب، فإذا وجدنا لحميات صغيرة لا نستطيع رؤيتها في الجراحة العادية نقوم باستئصالها، كذلك إستئصلنا اللحميات التي تتسبب في انسداد مداخل الجيوب الأنفية ومن ثم وسعنا فتحات الجيوب.
ويمكن من خلال المنظار علاج أمراض الأنف بشكل عام وبطريقة سهلة.
وبالنسبة للأذن أجرينا عملية تنظيف النتوء الحلمي بشكل كامل لمريض استغرقت أربعة ساعات.
* ما هي أفضل الطرق لعلاج أمراض السمع؟
- أمراض السمع كثيرة جداً، وبالتالي المريض بحاجة إلى تشخيص دقيق لمعرفة المرض بالتحديد، حيث هناك أمراض تتعلق بالسمع التوصيلي،وأخرى بالسمع الحسي أو العصبي، وهناك ضعف سمع مختلط، وبداية العلاج تنطلق من الالتهابات في الأذن الخارجية والوسطى، ومعرفة ما إذا كان لدى المريض ثقب في طبلة الأذن، أو تسوس الأذن الوسطى ( الكلوستاتوما)، وهل يعاني المريض من ضعف في العصب السمعي أو لأذن الداخلية، وهنا يمكن علاج أمراض الأذن الخارجية والوسطى بالجراحة بشكل عام، أما أمراض الأذن الداخلية أو أمراض فقد السمع الحسي بسبب تهتك في العصب لدى المرضى المتقدمين في السن فهذا لا يمكن التعامل به إلا من خلال تركيب سماعات للمريض، غير ذلك يمكن إجراء العملية الوحيدة للطفل المصاب بالصمم بشكل كامل ولا تعمل الأذن الداخلية لدية تماماً في الجهتين من خلال زراعة القوقعة غير المتوفرة في قطاع غزة.
* ما رأيك بالأشخاص الذين يقومون بتنظيف أذانهم من خلال الأعواد القطنية؟
- لا أنصح بذلك بتاتاً، فهذه الأعواد تدفع الأوساخ لداخل الأذن ويصبح تنظيفها أصعب، ويمكن أن يؤدي إلى جرح القناة الخارجية وبالتالي تلتهب، كذلك كلما نظف الشخص أكثر كلما زادت إفرازات الأذن أكثر وتكون العملية عكسية.
*هل تؤيد علاج الأمراض بالطب البديل أو الشعبي؟
- بصراحة لا أؤمن بها بتاتاً كطبيب جراح، هناك بعض الأمور التي تقوي جهاز المناعة، لكن تلك الأنواع من الطب لا تلبي الغرض المطلوب في الأمراض المزمنة، ولا توجد لها فائدة، فهي ارتجالية وعشوائية ولا تخضع للتطور والتقدم العلمي في مجال الطب.
* هل تعتقد أن طب الأنف والأذن والحنجرة متقدم نوعاً في بلادنا مقارنة بالدول الأخرى؟
- طب الأنف والأذن والحنجرة مازال في بداياته إذا ما قورن بالدول الأخرى، وهذا الطب يحتاج لكثير من بذل الجهد والتطور، ويمكن اعتباره أنه طب متخلف إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التقدم والتطور الهائل في مجال هذا الطب عالمياً، حيث هناك جراحات كثيرة لم يسمع بها أحد هنا، منها على سبيل المثال جراحة مناظير الجيوب الأنفية الذي طرأ عليها تقدم كبير، فلا يمكن أن يكون هناك مركز طبي للأنف والأذن في العالم إلا وموجود به قسم لجراحة مناظير الجيوب، كذلك جراحات الأذن هنا ضعيفة مثل جراحات ترقيع الطبلة وتسوس الأذن الوسطى، وهناك جراحات للعصب الوجهي من خلال الأذن، وجراحات الأذن الداخلية وهي بمجملها مفقودة تماماً في قطاع غزة.
والطب فقط يقتصر على علاج اللوز وجراحات الحاجز الأنفي وجراحات لحمية الأنف بشكل موضعي، ولا تمثل هذه الأشياء أكثر من 20% من المفترض أن يكون في طب الأنف والأذن والحنجرة.
* ما تفسيرك لعدم تطور طب الأنف والأذن والحنجرة في قطاع غزة ؟
- القطاع الصحي عموماً يعيش حالة من الركود إن لم نقل أنه يعيش أسوأ أيامه، وطب الأنف والأذن والحنجرة جزء من هذا القطاع، وعدم تطوره يرجع لأسباب كثرة التحويلات الخارجية، مما لا يتيح الفرصة للأطباء ذوي الكفاءات من علاج تلك الحالات المرضية، كذلك عدم وجود تخصصات كافيه لطب الأنف والأذن والحنجرة، وقطاع غزة يفتقر للجراحات التخصصية مثل العيون والأنف والأعصاب والقلب، ويحتاج للجراحات الدقيقة الميكروسكوبية والتي يجريها متخصصون قلائل، إلا أنه يمكن القول أن الجراحات العامة والباطنية مستواها جيد.
* هل التحويلات للخارج يعود سببها لعدم ثقة المرضى بالأطباء المحليين؟
- لا يمكن قول ذلك بهذه الطريقة، لكن تحويل المرضى للعلاج في الخارج هي مسألة بحد ذاتها تتداخل بها أمور وعوامل أخرى متشابكة ناتجة عن الواقع الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني، وقد يكون هناك عدم ثقة ببعض الأطباء بشكل أو بأخر، لكن لا يمكن تعميم ذلك أبداً.