هل عرف السلف الصالح في عهد النبي الأعظم (صلى الله عليه وسلم) وما قاربه زمنيا الخيم الرمضانية التي يُقدَّم فيها الطعام للضيوف والفقراء والمعوزين والمساكين؟
والخَيْمةُ بيت تبنيه الأعراب من عيدان الشجر والجمع خَيْماتٌ و خِيَمٌ مثل بدرات وبدر، والخَيْمُ مثل الخيمة والجمع خِيامٌ مثل فرخ وفراخ و خَيَّمَهُ جعله كالخيمة و خَيَّمَ أيضا بالمكان أقام به و تَخَيَّم بمكان كذا ضرب خيمته به،وقال صاحب اللسان: الخَيْمَةُ بيت من بيوت الأَعراب مستدير يبنيه الأعراب من عيدانِ ،وقيل هي ثلاثة أَعواد أَو أَربعة يُلْقَى عليها الثُّمامُ ويُسْتَظَلُّ بها في الحر والجمع خَيْماتٌ وخِيامٌ وخِيَمٌ وخَيْمٌ وقيل الخَيْمُ أَعواد تنصب في القَيْظِ وتجعل لها عَوَارِضُ وتُظَلَّلُ بالشجر فتكون أَبرَدَ من الأَخْبِيَةِ وقيل هي عيدانٌِ يبنى عليها الخِيامُ قال النابغة:
فلم يَبْقَ إلاَّ آلُ خَيْمٍ مُنَضَّدٍ ***وسُفْعٌ على آسٍ ونُؤْيٌ مثعلب
الآسُ الرماد ومُعَثْلِبٌ مهدوم، والذي رواه ابن السيرافي على أَسٍّ قال وهو الأَساسُ ويروى عَجُزُهُ أَيضاً (وثُمٌّ على عَرْشِ الخِيامِ غَسِيلُ).
ورواه أَبو عبيد للنابغة ورواه ثعلب لزُهَيرٍ وقيل الخَيْمُ ما يبنى من الشجر والسِّعَفِ يَسْتَظِل به الرجلُ إذا أَورد إبله الماء وخَيَّمَه أَي جعله كالخَيْمَة والخَيْمَةُ عند العرب البيت والمنزل ، وسُمِّيت خَيْمَةً لأن صاحبها يتخذها كالمنزل الأَصلي ، وقال ابن الأَعرابي الخيمة لا تكون إلا من أَربعة أَعواد ثم تُسَقَّفُ بالثُّمامِ ولا تكون من ثياب قال وأَما المَظَلَّةُ فمن الثياب وغيرها ويقال مِظَلَّةٌ . قال ابن بري: الذي حكاه الجوهري من أَن الخَيْمَةَ بيت تبنيه الأَعراب من عِيدان الشَّجَر هو قول الأَصمعي وهو أَنه كان يذهب إلى أَن الخَيْمَةَ إنما تكون من شجر فإن كانت من غير شجر فهي بيت، وغيره يذهب إلى أَن الخَيْمَة تكون من الخِرَقِ المَعْمولة بالأَطْنابِ واستدل بأن أصل التَّخْييم الإقامة فسُمِّيَتْ بذلك لأَنها تكون عند النزول فسميت خَيْمةً. قال ومثلُ بيت النابغة قولُ مُزاحِمٍ:
مَنَازِلُ أَمَّا أَهْلُها فَتَحَمَّلُوا *** فَبانُوا وأَمَّا خَيْمُها فَمُقِيمُ
قال ومثله قول زهير:
أرَبَّتْ به الأرْواحُ كلَّ عَشِيَّةٍ *** فلم يَبْقَ إلاَّ آلُ خَيْمٍ مُنَضَّدِ
قال: وشاهد الخِيَمِ، قول مُرَقِّشٍ:
هل تعرف الدَّار عَفَا رَسْمُها *** إلا الأَثافيَّ ومَبْنَى الخِيَمْ؟
وشاهدُ الخِيامِ قول حَسّان ومَظْعَن الحَيِّ ومَبْنَى الخِيام ، وفي الحديث: (الشَّهِيدُ في خَيْمَةِ اللِه تحتَ العَرْشِ)، الخَيْمَةُ معروفة ومنه خَيَّمَ بالمكان أَي أَقام به وسكنه واستعارها لِظلِّ رحمة الله ورِضْوانه ويُصَدِّقُهُ الحديث الآخر (الشهيد في ظِلِّ الله وظِلِّ عَرْشِه)، وفي الحديث: (من أَحب أَن يستخدم له الرجالُ قِياماً كما يُقامُ بين يدي المُلوك والأُمراء) وهو من قولهم خام يَخِيمُ وخَيِّمُ وَخَيَّمَ يُخَيِّمُ إذا أقام بالمكان ويروى اسْتَخَمَّ واسْتَجَمَّ (بالجيم بدل الخاء)، والخِيامُ أَيضاً الهَوادِجُ على التشبيه قال الأَعشى:
أَمِن جَبَل الأَمْرارِ ضرْبُ خيامِكم *** على نَبإٍ إنّ الأَشافيّ سَائل
وأَخامَ الخَيْمَةَ وأخْيَمَها بَناها (مروي عن ابن الأَعرابي) وتَخَيَّم مكانَ كذا ضَرَب خَيْمَتَهُ وخَيَّمَ القومُ دخلوا في الخَيْمة وخَيَّمُوا بالمكان أَقاموا وقال الأَعشى:
فَلَمَّا أَضاءَ الصُّبْحُ قامَ مُبادراً *** وكانَ انْطِلاقُ الشاة مِن حَيْثُ خَيَّمَا
والعرب تقول خَيَّمَ فلان خَيْمَةً إذا بناها وتَخَيَّمَ إذا أقامَ فيها وقال زهير:
وضَعْنَ عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيِّمِ
وخَيَّمَت الرائحة الطيِّبةُ بالمكان والثوب، أَقامت وعَبِقَت به، وخَيِّمَ الوَحْشِيُّ في كِناسه أَقامَ فيه فلم يَبْرَحْهُ وخَيَّمَه غَطَّاه بشيء كي يَعْبق به وأَنشد (مَعَ الطِّيبِ المُخَيَّم في الثياب) وقال أَبو عبيد: الخِيمُ الشيمَة والطبيعة والخُلُق والسجية ويقال خِيم السيف فِرِنْدُه والخِيمُ الأَصل، وقال ابن سيده والخامَةُ من الزَّرع أَولُ ما يَنْبتُ على ساقٍ واحدة، والخامُ من الجلود ما لم يُدْبغ أَو لم يُبالَغْ في دبغه والخامُ الدِّبْسُ الذي لم تَمسه النار عن أَبي حنيفة قال وهو أَفضله.
وليس هنا بيت القصيد، فنعود للسؤال المطروح هل كانت هناك خيم جماعية للفقراء والمحتاجين في رمضان أو غير رمضان؟
في التاريخ الإسلامي يطالعنا قوم يُسمّون " أهل الصفة" وهم فقراء المدينة المنورة، ويقال فيهم:
أنَّ بعض المهاجرين لم يستطيعوا العمل حال قدومهم إلى المدينة لأن الطابع الزراعي كان يغلب على اقتصاد المدينة، وليست للمهاجرين خبرة زراعية فمجتمع مكة تجاري كما هو معلوم، كما أنهم لا يملكون أرضًا زراعية في المدينة وليست لديهم رؤوس أموال فقد تركوا أموالهم بمكة. وقد وضع الأنصــــــــــــــار إمكانياتهم في خدمة المهاجرين لكن بعض المهاجرين بقى محتاجًا إلى المأوى.
واستمر تدفق المهاجرين إلى المدينة خاصة قبل موقعة الخندق حيث كان الكثير منهم يستقرون في المدينة كما طرقت الوفود الكثيرة المدينة، ومنهم من لم يكن على معرفة بأحد من أهل المدينة فكان هؤلاء الغرباء بحاجة إلى مأوى دائـم أو مؤقت مدة إقامتهم. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم فكر في إيجاد المأوى للفقراء المقيمين والوفود الطارقين، فكانت الصفة هي ذلك المكان والمأوى.
أين موقع أهل الصُّفَّة؟
وحانت الفرصة عندما تم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة وذلك بعد ستة عشر شهرًا من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حيث بقى حائط القبلة الأولى في مؤخر المسجد النبوي، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فظلل أو سُقف وأطلق عليه اسم الصفة أو الظلة، ولم يكن لها ما يستر جوانبها.
ويذكر ابن جبير في رحلته أن الصفة دار في آخر قباء يسكنها أهل الصفة، وتأول السمهودي ذلك بأن من ذكر من أهل الصفة اتخذوا تلك الدار فيما بعد فاشتهرت بذلك، أي أن المكان الذي ذكره ابن جبير نسب إلى أهل الصفة ولم ينسبوا هم إليه، لأن نسبتهم كانت إلى صفة المسجد النبوي بالمدينة.
ولا يعرف سعة الصفة، ولكن يبدوا أنها كانت تتسع لعدد كبير حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدمها في وليمة حضرها ثلاثمائة شخص، وإن كان بعضهم قد جلس في حجرة من حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الملاصقة للمسجد.
وكان الأنصار والأثرياء يقدمون الطعام واللباس والصدقات والتكرمة الخاصة لساكني الصفة كما نقدم نحن اليوم الطعام في شهر رمضان للقاطنين في الخيم الرمضانية، مع الفارق، وهو أنَّ من يأوي للخيمة الرمضانية المعاصرة يكون مؤقتاً لفترة الإفطار والسحور وحسب.