الحملة الدولية للمرأة الريفية...وواقعها في فلسطين
د.عقل أبو قرع - فلسطين
تبدأ في الاول من شهر تشرين أول من كل عام، ما يعرف بالحملة العالمية لمناصرة المرأة الريفية، والتي تستمر لمدة اسبوعين، وتتوج في الخامس عشر من نفس الشهر بالاحتفال "باليوم العالمي للمرأة الريفية"، والذي يتم الاحتفال به هذا العام تحت شعار" المرأة الريفية تنتج غذاء صحيا للجميع"، وهذا يدل على الاهمية التي يوليها المجتمع الدولي للدور الذي تلعبه المرأة الريفية، والتوجه المتزايد نحو منحها حقوقها ودورها من منظور النوع الاجتماعي.
وبالأخص فيما يتعلق بالعمل غير مدفوع الاجر سواء مثل أعمال الرعاية أو في الزراعة أو غيرهما، أو عدم المساواة في الاجر، أو عدم المساوة في الفرص سواء في العمل أو في التعليم أو الحصول على الرعاية الصحية، أو في الوصول الى مصادر ووسائل الانتاج، أو فيما يتعلق بالحصول على حقوق التملك في الارض والاملاك، او في حرمان المرأة بشكل عام والمرأة الريفية بشكل خاص من حقوق الميراث واستغلال المصادر والوسائل التي تملكها و التي هي حق لها، وهذا الواقع ينطبق بشكل خاص على واقع المرأة الريفية في بلادنا.
وعدم حصول المرأة الريفية على حقوقها في مصادر الانتاج، وبالأخص حين يرتبط بدورها وحقوقها ونظرة المجتمع لها، اي من منظور النوع الاجتماعي، يندرج تحت اطار " العنف الاقتصادي المبني على النوع الاجتماعي"، والذي يصب في الانواع الاخرى من العنف المرتبط بدورها أو بنظرة المجتمع للمرأة الريفية، سواء اكان عنفا جسديا أو نفسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو غيره، ورغم ان هناك تقدما ملموسا خلال السنوات الماضية فيما يتعلق بنظرة مجتمعنا الى المرأة، سواء من ناحية التعليم أو العمل أو تقاسم الادوار أو تبوأ المناصب والمسؤوليات، ألا ان المرأة الريفية ورغم مساهمتها في الانتاج والرعاية والمسؤوليات بكل أنواعها، الا انها ما زالت تتوق الى الحصول على حقوقها، وبالأخص في التملك في الاراضي والاملاك والاهم حقها في استخدام وسائل وادوات التملك الخاصة بها بالطريقة التي تراها مناسبة لمصلحتها وفي حقها في الحياة والتقدم.
وتبدأ الحملة الدولية للمرأة الريفية هذا العام، في ظل التعامل مع التداعيات البيئية والمناخية الوخيمة التي تحدث في العالم واخرها الاثار المدمرة التي يحدثها اعصار "ايان" في ولاية فلوريدا الامريكية، أو التأثيرات البيئية والمناخية من منظور النوع الاجتماعي"، حيث تتفاقم هذه التأثيرات على المرأة الريفية، مع الاستمرار في دوامة مطالب المساواة والحقوق المنقوصة، ومنها توفير فرص العمل والتعليم والتدريب، والحد الادنى للأجور، والامكانيات والوصول الى المصادر والتمويل، وكذلك توفر فرص القيادة والتغيير والمشاركة السياسية وفي الحياة العامة، وفي صنع القرار، والاهم هو توفر شروط او ظروف الصحة والسلامة المهنية في بيئة العمل للمرأة الريفية، سواء العاملة في الزراعة أو في المصانع أو في مجال الخدمات أو غير ذلك.
ويتجلى تأثير التداعيات المناخية على المرأة العاملة في الزراعة في بلادنا وبالأخص في منطقة الاغوار، بشكل اكثر وضوحا، حيث مع ارتفاع درجة حرارة الأرض والتقلبات الجوية وشح المياه، يفاقم الاحتلال الإسرائيلي ذلك من خلال الاستيلاء على مصادر المياه وبالأخص مصادر المياه الجوفية، والأراضي الزراعية الخصبة، وتشويه النظام الحيوي البيئي الفلسطيني من خلال إقامة المستوطنات وشق الطرق تحت ذرائع مختلفة، والتخلص من النفايات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وسكب مياه مجاري مستوطنات في أراضي المواطنين الفلسطينيين، واقامة المصانع الكيميائية بجوار المناطق الفلسطينية، حيث شكلت وما زالت هذه التصرفات تهديدا حقيقيا للنظام البيئي الفلسطيني بكل مكوناته، ولإمكانية عيش المرأة الفلسطينية التي اعتادت ان تعمل في الارض، في ظل ظروف صحية وبيئية حسب المعايير الدولية.
وعند الحديث عن تداعيات التغير المناخي على المرأة الريفية أو من منظور النوع الاجتماعي، تكون اثارها أكثر شدة على المرأة الفلسطينية، وبالأخص المرأة العاملة في الزراعة، التي تفقد مصدر رزقها الوحيد في الزراعة بسبب استنزاف الأرض والمياه، أو المرأة ربة البيت التي تكون الأكثر تأثرا بسبب شح وجودة المياه أو بسبب فقدان الامن الغذائي أو تداعي جودة وسلامة الطعام عليها وعلى عائلتها، أو التداعيات الصحية عليها، حين تتعرض الى الملوثات المتعددة ومنها المبيدات الكيميائية، بسبب خصوصيتها خلال فترات الحمل أو الرضاعة أو تربية والاعتناء بالأطفال.
والتغيرات البيئية تؤثر كذلك على المرأة الريفية بشكل شديد من خلال ندرة المياه النظيفة الصالحة للاستعمال البشري، حيث تؤكد تقارير دوليه ان مياه قطاع غزه على سبيل المثال ملوثة بنسبة تصل الى حوالي 95%، سواء من ناحية التلوث البيولوجي أو الكيميائي من معادن ومواد عضوية وغير عضوية، وأن مياه مناطق الاغوار تزداد فيها نسبة الملوحة باضطراد، بسبب الاستهلاك المتزايد للمستوطنات، وبأن مناطق في جنوب الضفة وحتى في الوسط لا تصل فيها المياه الى المنازل الا يوم أو عدة ايام في الاسبوع، ولكل ذلك أثار وخيمة على المرأة التي تدير المنزل وتربي الاولاد وتحافظ على صحة البيت وسلامة الطعام.
ومن يذهب الى بعض مناطق الاغوار الفلسطينية مثلا، يمكن ان يشاهد المرأة الريفية الفلسطينية تعمل في الزراعة او في الحقل، سواء تساهم في تحضير مبيدات للرش، او تشارك في عملية الرش، او حتى تقوم بقطف المحصول المرشوش، بدون ابداء اي اعتبار لما يعرف " بفترة الامان"، ومن الممكن ان تقوم المرأة بكل ذلك وهي حامل او خلال فترة الرضاعة، او حتى بمشاركة اطفالها، وبدون إجراءات أو وسائل الوقاية، وما لذلك من مضاعفات للخطورة، سواء خطورة بعيدة او قصيرة المدى، بعيدا عن ظروف او شروط السلامة المهنية.
وموضوع السلامة المهنية وارتباطه بعمل المرأة الريفية، هو موضوع مهم، حيث حسب الابحاث يموت تقريبا سنويا حوالي مليونين من العمال، غالبيتهم من النساء، نتيجة حوادث وامراض المهنة، وتقع معظم هذه الاصابات في الدول النامية او دول العالم الثالث، وفي بلادنا تطالعنا الإخبار عاده عن حوادث عمل متعددة، وبالإضافة الى الموت، فأن بعض هذه الحوادث يتسبب في عاهات لفترات طويلة، وما لذلك من أثار ليست فقط صحية، وإنما اقتصادية واجتماعية ونفسية، ليس فقط على العاملة المصابة، وإنما على إفراد العائلة والبيئة المحيطة، و السلامة المهنية في العمل، هي بالأساس مسؤولية أصحاب العمل او الهيئة المشغلة، والدوائر الرسمية المعنية وطبعا كذلك العامل أو العاملة، ويصبح الامر اكثر خطورة حين يتعلق بعمل المرأة الريفية، في البيت أو المزرعة حيث لا توجد قوانين أو ضوابط أو جهات مسؤولة.
وفي بلادنا قد تتعرض المرأة الريفية الى إصابات خلال العمل، ومنها ما تكون بصورة مباشرة وواضحة ، اي تكون ظاهرة للعيان، سواء على شكل إصابات خارجية كالجروح أو إصابات داخلية تشمل التسمم وغيره، ومثل هذه الإصابات يمكن التعامل مها ومعالجتها سواء في موقع العمل او في الموقع الصحي ومن ثم متابعتها ، وكذلك اتخاذ الإجراءات الضرورية لعدم حدوثها، ولكن وربما الأخطر هي تلك الإصابات او الإمراض المزمنة والخطيرة والتي تنتج عن التعرض المتواصل لمواد، سواء أكانت كيميائية او بيولوجية او إشعاعية او حتى فيزيائية، وبشكل قليل، بحيث لا تظهر الآثار الآنية للتعرض لها، ولكن ومع مرور الزمن .
وبسبب تراكم التعرض لهذه المواد، ولو بكميات قليلة، تظهر الآثار على شكل إمراض مثل السرطان والتشوهات الخلقية والإمراض العصبية والانعكاسات المترتبة على ذلك، وربما من الأمثلة على ذلك التعرض المتواصل للمبيدات الكيميائية للعاملين في قطاع الزراعة وخاصة للمرأة الريفية، والتعرض الى المعادن الثقيلة والمركبات العضوية للعاملين في الصناعات الكيميائية والغذائية والأدوية، وكذلك التعرض المتواصل للضجيج للعاملين في صناعة الغزل والنسيج وفي صناعات الحجر والرخام وما الى ذلك.
وحين يتعلق الأمر بالصحة والسلامة المهنية وعمل المرأة الريفية، فأنة يجب الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المرأة العاملة، حيث قد تحمل وتلد وترضع، وبالتالي فان بيئة العمل ومدى تعرضها إلى ظروف عمل غير صحية خلال هذه المراحل المختلفة ‘ قد يؤدي إلى عواقب وخيمة عليها وعلى جنينها وأطفالها، فهناك دراسات دلت وبدون أي مجال للشك على ان العديد من المواد الكيميائية اذا وصلت الى جسم المرأة فأنها تنتقل من خلال المشيمة الى الجنين وكذلك من خلال الرضاعة الى الرضيع.
ومع بدء الحملة الدولية لمناصرة المرأة الريفية، وفي بلادنا ورغم التقدم الذي حدث ويحدث فيما يتعلق بنظرة المجتمع الى المرأة وبالتحديد الى المرأة الريفية، الا أن واقع المرأة الريفية ما زال يحتاج الى تغيرات اساسية في اطار الحصول على الحقوق والادوار ووسائل الانتاج ومن منظور النوع الاجتماعي، سواء في مجالات القوانين والتشريعات والسياسات والاجراءات، أو في مجال بث الوعي والمعرفة وبناء القدرات، أو في مجال التأثير والوصول الى اصحاب المسؤولية في القطاع العام والخاص والاهلي، أو في مجال قدرة المرأة الريفية في استخدام مساحات امنة مريحة للضغط والمناصرة والتأثير، في اطار الحد من العنف الاقتصادي المبني على النوع الاجتماعي وبأنواعه.