د. سناء أبو شرار - الأردن
وتحليل المشاعر يتطلب وبشكل جذري هذا الانفراد مع الذات وهو عنصر أساسي لعملية التأمل التي حثنا الله تعالى على ممارستها، ولكننا في حالة تواصل مستمرة وبلا توقف مع الآخرين، حتى حين نعود لبيوتنا ونستكين في فراشنا، نفكر بما حدث وما قيل لنا وما سنقوله غدا، وما سنفعل وما لا سنفعل، وهذه الدوائر التي لا تنتهي ليست سوى ابتعاد دائم وبإصرار عن تحليل مشاعرنا الفردية.
ولكن تحليل المشاعر لا يعني أن تذهب على طبيب نفسي، ولا يعني أننا نفعل ذلك بحال وقوعنا بأزمة معقدة، تحليل المشاعر هو أن تدرك وبكل منطق وعقلانية سبب دوافعك في الحياة، أن تعرف سبب الغضب الذي ينتابك، أن تعرف من أين أتت جذور الحزن والكآبة، أن ترى في عيون الآخرين ما لا يقولونه، أن تشعر بما يُخفونه، أن تمشي في الحياة بعيون مُبصرة وبقلب له بصيرة؛ تحليل المشاعر هو إدراك عميق وشامل للذات كإنسان منفرد وكشخص ينتمي لمجموعة من البشر؛ ولا يمكن لأي انسان أن يصل لسعادة حقيقية دون هذا التحليل ودون هذه المعرفة للذات، ولا يمكن لملايين الأرض أن تمنح الإنسان هذه القدرة الرائعة التي تجعله يستمتع بالحياة بأقصى ما يمتلك من الموهبة؛ لأن هذه الحياة ليست بسيطة كما قد يعتقد البعض، إنها شديدة التعقيد بحيث أنك إن لم تكن مدركاً لها سوف تسحق جزء ما منك وربما تسحق أجزاء كثيرة، فإدراك الذات ومعرفة تحليل مشاعرك تمنحك حماية ومناعة ذاتية ضد ما قد تفرضه الحياة عليك من صعوبات.
كما وأن تحليل المشاعر يمنحك المساحة الواسعة لحل مشاكلك لأنك تعلم من أين أتت هذه المشاعر وإلى أين ستقودك، فكم منا يغضب ويكسر وينتقم وحين نسأله لماذا يقف عاجزاً أمام السؤال، لأننا نعرف كيف نُظهر مشاعرنا السلبية أو الإيجابية ولكننا لا نعرف أين جذورها في أنفسنا أو إلى أين ستقودنا، وفي هذه الحياة لا يوجد أي شيء عفوي فكل شيء له جذور ودوافع ونتائج، حتى الحشرة بالغة الصغر تعرف هذه القاعدة، ولكننا نخلط مشاعرنا مع رغباتنا، وشهواتنا مع تهورنا، ونعتقد ان الحل يكمن في السطح وننسى أنه يتربع في الجذور.