تهميش المرأة في التاريخ …… تمييز أخر
تحقيق: محمد كريزم - " وكالة أخبار المرأة "
تزخر المكتبة العربية بالكثير من كتب وموسوعات التاريخ وتتعدد أشكالها وأصنافها و تختلف وجهات النظر من الأحداث التاريخية تبعاً لطبيعة مؤرخيها لكنها تتوحد في سياقها العام بتهميش النساء و اعتبارهن موضوعاً فرعياً وليس كمشاركات في صنع التاريخ بل أن بعض كتب التاريخ غيبت النساء من مسرح الأحداث و تجاهلن رغم صنعهن للحدث نفسه.
في هذا التحقيق نسلط الضوء على أسباب هذا التهميش و انعكاساته في ظل أجواء التمييز ضد المرأة وهضم حقوقها حتى من ذكر أسمها في التاريخ علماً أن هذا لا ينفي أن بعض المؤرخين غطى جانباً محدداً من التاريخ النسائي .
تابع للرجل :
يرى القاص زكي العيلة أن المرأة العربية بشكل عام و الفلسطينية على وجه الخصوص لم تأخذ حقها في الكتابات التاريخية نتيجة تراكم جملة من العادات و الأعراف التي فرضت العزلة على المرأة باعتبار أن المنزل عالمها تولد وتعيش وتموت فيه لكن هذا لا ينفي وجودها ومشاركتها في صنع الأحداث التاريخية منذ أوائل القرن العشرين في الحياة الثقافية و الاجتماعية و النضالية و استشهدت نساء فلسطينيات في معارك ضد الاحتلال البريطاني مثل الشهيدة فاطمة خليل غزال عام 1936 .
و أضاف العيلة أن المجتمع بصورة عامة ينظر للمرأة على أنها تابع للرجل وفرض قيود على حريتها و إبداعها إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور حركة نسائية فلسطينية دافعت عن حقوق المرأة و المطالبة بالمساواة مؤكداً في الوقت ذاته أن الحركة النسوية الفلسطينية منذ عهود خلت لم تنشغل بطرح قضاياها الخاصة مثل التحرر من القيود الاجتماعية أو المساواة أو فتح أبواب العمل إنما كانت تركز على المطالب الوطنية دون المطالب الخاصة و وغلبت العام على الخاص ، وأشار العيلة إلى أن المرأة دائماً مستبعدة ودورها يكون هامشياً وليس محورياً في سياق التغيرات التاريخية .
نتاج فكري و ثقافي:
الباحثة في الدراسات التاريخية لورين بصل تتساءل عن مكانة المرأة في التاريخ، و تقول أن النساء بشكل عام أمام حلقة ذات سلاسل متقطعة أو تكاد ممحوة الآثار من التاريخ ، وإن ذكرن يتم التركيز في فئة اجتماعية معينة حيث أن التاريخ يتناول في كتابته النخب الطبقية .
وأشارت بصل أن المتتبع للتاريخ يجد أن النساء لم يذكرن في الكتابات التاريخية إلا بالجانب الاجتماعي من خلال الخطاب الأخلاقي للمرأة أومن خلال صورتها كجسد أنثوي مرتبط بالزواج و الإنجاب ، وهناك من ركز على جمالها و تغنى بعواطفها ووصفها كوعاء متعة لهذا وذاك متجاهلين إنسانيتها وهناك بعض المؤرخين من أظهرها كمتسلطة و متجبرة تتدخل من خلف الستار لتدير الحكم من خلال قدرتها الأنثوية المشروعة وغير المشروعة .
و تتساءل بصل مرة أخرى هل التاريخ أضاف شيء للمرأة ؟ إذا أرادت المرأة أن تقرأ كتب التاريخ فماذا تقرأ ؟ هل ترى نفسها في هذا التاريخ الذي همشها و أظهرها كالحاضر الغائب ؟
وشددت بصل على ضرورة ظهور كوادر نسائية قادرة على كتابة التاريخ ، من أجل إنصاف النساء ، و إحداث توازن في السرد التاريخي داعية النساء للتصدي لهذا التهميش و الغبن و التمييز ضد النساء .
وتشاطرها الرأي نجود أحمد الباحثة في الدراسات التاريخية فتقول أنه عند طرح مسألة المرأة في الكتابة التاريخية فإنه يتم تناولها كموضوع فرعي تكميلي وليس كمشاركات في صنع التاريخ معزية أسباب تهميش المؤرخين لكتابة تاريخ المرأة العربية و الفلسطينية إلى التركيز على كتابة التاريخ السياسي و من ثم دورها السياسي محدود ولذا يتضح انحسار ذكرها و تاريخها .
و أوضحت أحمد أن تهميش النساء في التاريخ هو نتاج فكري و ثقافي و نتيجة تجاهل توثيق دورهن وحياتهن باعتبارهن طرف ضعيف لا يمتلك مقومات القوة مشيرة إلى النظرة السائدة في المجتمع العربي بأن المرأة وجدت لخدمة الرجل فقط ، و بالتالي لا يحق لها المشاركة في مجالات الحياة الأخرى مما خلق بداخلها أحاسيس و مشاعر سلبية انتقصت من قيمتها و دورها ، وجعلها تنكمش على نفسها .
وأشارت أحمد أن المكتبة العربية تفتقد للوثائق و المراجع الخاصة بالنساء وأن وجدت لا تعطى الصورة الحقيقية عن واقعهن و تاريخهن بحيث لا يمكن الباحث من دراسة تاريخ المرأة و أوضاعها المختلفة بصورة كاملة .
عزوف النساء عن التاريخ :
أما الدكتور رياض الأسطل رئيس قسم التاريخ بجامعة الأزهر في غزة فإنه لا يتفق مع الرأي الذي يتحدث عن تهميش التاريخ للمرأة و يقول أن المرأة لاقت عناية تاريخية متفردة ، سواء برز دورها من الناحية السياسية أم من الناحية الثقافية ، ومن هنا خلد التاريخ نساء عظيمات مشيراً أن بعض قبائل العرب تنسب إلى نساء .
و أوضح الأسطل أن هناك من أرخ للمناضلات السياسيات و المشاركات في حركة التحرر، وقد حظيت المرأة المشاركة في هذا الباب بما لم يحظ به أقرانها من الرجال ، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة المناضلة في الميدان الاجتماعي و المرأة الأدبية أو الشاعرة أو الناشطة في الميادين العلمية أو النسوية وعلى سبيل المثال لا يذكر كبار شعراء فلسطين إلا ذكرت معهم فدوى طوقان ، ولا يذكر قصاصو فلسطين إلا ذكرت معهم سحر خليفة .
و استدرك الأسطل بالقول أن التاريخ لم ينصف النساء في بعض الحالات أو إفرادهن بمؤلفات خاصة ، فهذا لم يحدث إلا في المجالات التراثية و الاجتماعية و النسوية و النضالية ، معزياً أسباب ذلك إلى أن معظم الكتابات التاريخية المعاصرة تركز على التاريخ السياسي ، ولما كانت المشاركة السياسية للمرأة محدودة للغاية ، و تكاد تجارب السياسيات المعاصرات البارزات تعد على أصابع اليد ، و بالتالي فإن نصيبهن من التاريخ السياسي جاء محدوداً بحدود التجربة كذلك أن قضايا النهوض بالواقع النسوي ظلت جوهر التحرر و تمسكت بقشوره فركزت على قضايا صغيرة ، على حساب قضايا التعليم و المشاركة و المساواة الفلسفية .
مشيراً في الوقت نفسه أن التاريخ المعاصر حافل بالنضال ضد المستعمر ، و بالعمل السياسي و العسكري وحمل السلاح ،وهي المجالات التي اختارت المرأة عموماً أن تهمش دورها فيها نظراً لطبيعتها الخاصة ، منوهاً إلى أن التاريخ الاجتماعي و الاقتصادي لم ينل حقه من الاهتمام و العناية وهما المجالان الهامان بالنسبة للمرأة عموماً ، مبيناً أن الاهتمام بالمرأة الفرد و النموذج أو الرمز قد غطى على الاهتمام بالمرأة الظاهرة .
وأنحى الأسطل باللائمة على عزوف المرأة عن الدراسات التاريخية حيث لا تكاد توجد مؤرخة كبيرة بين كبار المؤرخين العرب و المسلمين ، وهذه مفارقة تؤخذ في الحسبان ،عند المقارنة بالنساء الأديبات أو الشاعرات ،ولا يعقل أن تجلس المرأة في خدرها و تنتظر من يقوم فيؤرخ لها من الرجال ، فمشاركتها في هذا الباب ضرورية ، ومع ذلك فإن معظم من أرخ للمرأة هم من الرجال .
وأكد الأسطل أن مئات الكتب المعاصرة تسجل و توثق نضال المرأة و تدرس قضاياها و تبحث في تراثها و تاريخها ، ولكن عدم دراية البعض ، وعدم متابعتهم و تردى الأوضاع السياسية ساهم في التعمية على الحقيقة و إظهار الصورة في غير حقيقتها ، وعلى نحو أكثر قتامة من معطيات الواقع الحقيقي .