تحقيق: محمد كريزم - خاص بـ" وكالة أخبار المرأة "
و دلت مؤشرات إلى تراجع نسبة المشاركة النسائية البسيطة التي كانت موجودة و إن كانت مجرد إشراك تجميلي , بفعل جمود العمل النقابي , و توظيفه لمصالح شخصية و حزبية , و سعي بعض الأطراف لإقصاء النساء عن هذا العمل الحيوي الذي يعبر عن المطالب العادلة للعاملات و العاملين على حد سواء .
غياب قسري :
و أشارت نزال إلى أن النقابات سواء العمالية أو المهنية تحولت إلى مؤسسات سياسية تعمل بالشأن السياسي أكثر من الهم المطلبي الذي على أساسه تشكلت مما جعل العاملات و المهنيات يعزفن عن الإنتساب لعضويتها لأن همومهن و مصالحهن تماهت مع الهموم السياسية فالنقابات في ذهن جمهورها المفترض فصائل أو أجسام سياسية , منوهة في نفس الوقت إلى أن الصراعات الداخلية و الإنشقاقات و الخلافات التنظيمية في النقابات ساهم في إبتعاد النساء عن العضوية و الإنتساب , كذلك غياب الحياة الديموقراطية عن الأجسام النقابية ممثلة بدورية الإنتخابات لتجديد الهيئات القيادية مع ما يسبقها من تحضيرات تنظيمية كحملات التنسيب و المؤتمرات القاعدية جعل الهيئات القيادية للنقابة هيئات أبدية لأصحابها و كأنها قطاع خاص و ملكية فردية , مما قلل فرص النساء و أقصاهن بشكل عام عن العمل النقابي ووقف عائقاَ أمام تجديد دمائها و رفدها بطاقات جديدة سواء نسوية أو شابة .
و تشاركها الرأي ليلى البيومي منسقة مشروع فرص متساوية للعاملات في جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية التي أوضحت أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ضعف مشاركة المرأة في الحياة النقابية في فلسطين فمنها ما هو مرتبط بعوامل موضوعية ومنها ما هو مرتبط بعوامل ذاتية تتعلق بالمرأة , أما عن العوامل الذاتية فهي تعود إلى أسباب منها تأثير الحياة المهنية على المشاركة النقابية , و ضعف نسبة القوى العاملة النسائية الرسمية في سوق العمل المحلي الرسمي (12%-13%) , وضعف الوعي النقابي بشكل عام , أما عن العوامل الموضوعية فهي تتمثل بالصورة التي تعكسها النقابة ( الهيكلية وحالة التهميش للنساء ) , و الخشية من المضايقات والانتقام من قبل أصحاب العمل , و تأثير الجماعات الانتمائية على المشاركة النقابية حيث تتمثل من خلال الكتل النقابية , كذلك تأثير المجتمع على المشاركة النقابية ( المهام الاجتماعية والعائلية وتقسيم الأدوار) و غياب الديمقراطية وآليات التطوير المتمثلة في الانتخابات وتداول السلطة كلها أسباب حالت دون مشاركة المرأة و جعلتها بعيدة عن هذا المعترك .
أضرار بالغة :
و فيما يتعلق بالأضرار التي لحقت بالنساء جراء غيابهن أو إقصائهن عن العمل النقابي , أوضحت نزال أن هذا الغياب أدى بدوره إلى تغييب قضايا المرأة النقابية و المطلبية عن برامج النقابات , فلا يستطيع الذكور مهما أوتو من قدرة على تمثيل هموم و مصالح المرأة و مطالبها , كما أن غياب المرأة أفقد العمل النقابي زخماَ و فعالية القطاع النسوي العامل الذي يعاني هموماَ تتقاطع مع هموم القطاع العمالي و المهني و له خصوصية حيث يعاني من التمييز الحقوقي و المالي و يجري إستغلاله و تحديداَ في القطاع غير المنظم كالعاملات في الزراعة أو السكرتيرات و الممرضات و خادمات البيوت و المتعاقدات بعقود باطنية , كذلك نتيجة غياب المرأة عن نقاباتها أدى و سيؤدي بالضرورة إلى غيابها عن العمل العام الوطني و الإجتماعي مما أفقد الحركة الوطنية و السياسية الزخم الجماهيري , مشيرة إلى أن عدم مشاركة المرأة النقابية عكس عدم مشاركتها في الجدل الدائر حول قوانين تمسها و ذات صلة مع شأنها اليومي الحياتي و المادي و جعل القوانين إلى حد بعيد ذكورية لدى وضعها و نقاشها و حين إقرارها .
و ترى البيومي أن الضرر هنا يبدأ من أصغر مكونات المجتمع وهي الأسرة انتهاء بالهيئات القيادية التي تصنع قرارات المجتمع فقد تضررت مصالح النساء نتيجة هذا الغياب فأصبحت المرأة العاملة هي الأكثر عرضة للاستغلال في قطاعات العمل المختلفة سواء الخاصة أو العامة من حيث التمييز في التوظيف والأجور والترقيات وعلى مستوى القوانين أيضاً ، و هناك تمييز واضح ضد النساء على هذا الصعيد ، وقد طال هذا الضرر مصالح النساء حتى في مشاريع الطواريء التي تم تنفيذها على مدار السنوات الأربعة الأخيرة وكانت نسبة استفادة النساء منها ضئيلة جداً ، الأمر الذي كان له العديد من الانعكاسات السلبية على أوضاع المرأة العاملة فحرمانها من فرص العمل وانتهاك حقوقها أصبح أمرأ مهيناً كما أصبحت تعقد على حسابها صفقات غير نزيهة للاستئثار بفرص النساء ، كما أصبح التهميش والاقصاء للمرأة مكون من المكونات الثقافية لمجتمعنا.
مسؤولية الحركة النسوية :
و ذهبت البيومي إلى مدى أبعد في تحميل المسؤولبة للمجتمع بأسره وليست للمؤسسات النسوية فقط ، و أوضحت أن التشكيل الحالي للنقابات العمالية عبارة عن توليفة من كافة الكتل النقابية للأحزاب وهذا يعكس وضعية المرأة في الأحزاب نفسها والتي تعاني أيضاً من التهميش، معتبرة أن من الأسباب الرئيسية لغياب المرأة عن العمل النقابي هو حالة التهميش في النقابات للمرأة وعدم تبني النقابات العمالية لمصالح الطبقة العاملة حيث أنها أفرغت من هدف تأسيسها وبالتالي أين الجدوى من انخراط النساء في النقابات بشكلها الحالي ؟ ولكن كما في الغالب الجميع يفضلون التنصل من مسئولياتهم والقاء اللوم عادة ما يكون على المؤسسات النسوية التي عملت وما زالت تعمل مع النساء من أجل اشراكهن في كافة مجالات الحياة ، إلا أن هذه الجهود تصطدم بتحديات كبيرة مما يتطلب تضافر جهود كافة مؤسسات المجتمع المدني بما فيها النقابات والأحزاب.
التشكيك بقدرات المرأة :
و تشاطر البيومي إستهجان نزال بهذا الشأن و قالت ربما اعتدنا على اطلاق أحكام على مجمل القضايا دون الرجوع إلى أسبابها وتحليلها بشكل يمكننا من فهمها وتحديد رؤيتنا نحوها بشكل موضوعي ، واطلاق هذا الحكم هو جزء من هذا النهج وخاصة عندما يدور الحديث في قضايا المرأة بشكل خاص. وتجزم بما لا يدع مجال للشك و بحكم التجربة العملية في العمل مع فئة النساء العاملات أن النساء قادرات وبشكل فعال على خوض معركة العمل النقابي ، مشيرة في نفس الوقت إلى أن جمعية المرأة العاملة الفلسطينية إستطاعت على مدار الثلاثة سنوات السابقة حث وتشجيع العديد من العاملات للانخراط في العمل النقابي والانتساب للنقابات العمالية المختلفة كل حسب مهنتها وقد تكلل هذا الجهد بنجاح كبير من خلال نجاح خمس عاملات في الوصول إلى مقاعد في الهيئة القيادية العامة لاتحاد اللجان العمالية المستقلة والمكونة من 21 عضو/ة والتي تشكل الخطوة الأولى على طريق اندماج المرأة في العمل النقابي المنظم على أسس مهنية وديمقراطية مؤكدة أن لهذه لهذه الخطوة أهمية كونها تظهر نماذج نسوية قادرة على خوض الحياة النقابية في حال توفر بيئة داعمة لهن ، والأمر الآخر يتمثل في ضرورة إحداث نوع من التوازن الجندري في كافة الأجسام النقابية لكي تكون قضايا المرأة العاملة جزء لا يتجزأ من أولويات ومصالح هذه الطبقة.
أليات تفعيل المشاركة :
و تعتقد البيومي هنا أن الحاجة ماسة إلى تفعيل مشاركة المرأة في العمل النقابي وخاصة بعد ارتفاع وتيرة الاستغلال الذي تتعرض له الطبقة العاملة بشكل عام. أما فيما يتعلق بالمرأة فالحاجة مضاعفة فمن جانب يجب أن يتم العمل على توعية وتدريب النساء بأهمية وضرورة مشاركتهن في الحياة النقابية لضمان حقوقهن والدفاع عنها والعمل على تطويرها أيضاً ،ومن جانب آخر تبرز الحاجة إلى المزيد من الإصرار وخوض النضال من خلال تمكين النساء العاملات بمهارات القيادة والتفاوض والعمل على قاعدة الشراكة من اجل تحقيق هذه المشاركة وتفعيلها وخاصة في ظل عدم استقلالية النقابات العمالية وتحجر هياكلها التمييزية ضد المرأة وعدم ديمقراطيتها.
و المستوى الثاني يتمثل بالتشريعات والقوانين وتطبيقاتها و ممارسة الضغوط الكبيرة من أجل اصدار قانون نقابات عادل ويصون حرية التنظيم النقابي للعاملات والعمال على حد سواء ودون تمييز , و اصدار قانون ضمان اجتماعي يحمي الطبقة العاملة من البطالة على قاعدة المساواة والعدالة , و الضغط من أجل تنفيذ القوانين التي تنظم العلاقة بين أطراف الإنتاج الثلاثة " الطبقة العاملة – أصحاب العمل والدولة " وهى قانوني العمل والخدمة المدنية , كذلك الضغط على وزارة العمل من أجل اصدار اللوائح التنفيذية لقانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000 وتفعيل دور مفتشى العمل لضمان تطبيق حقيقي لبنود القانون , إضافة لمتابعة إصدار القوانين وتعديل ما هو مجحف بحق الطبقة العاملة منها مثال " قانون الاستثمار " بالاضافة إلى تعديل ما هو تمييزي ضد المرأة في مختلف القوانين أو مشاريع القوانين الفلسطينية.