الدكتور محمد أحمد سالم - السودان
هذه الصلة الوثيقة بين الحقوق السياسية والمشاركة في عملية التغيير والتطوير، لم تفت على رائدات الحركة النسوية السودانية منذ بواكير انطلاقتها في مطلع خمسينيات القرن الماضي، واللائي أدركن ألّا سبيل إلى تحرير المرأة ونيل حقوقها كاملة إلا عبر تمتعها بالحريات الأساسية، وفي مقدمتها، الحق في المشاركة في الانتخابات العامة مرشحة وناخبة.
ولم يكن ذلك أمراً سهلاً أو ميسوراً، أو طريقاً مفروشاً بالورود والرياحين في ظل التخلف الاجتماعي والتقاليد البالية، وعقلية الحرس القديم المحافظة، والنظرة الدونية للمرأة كمواطنة من الدرجة الثانية، وشريك ثانوي همه الأول قاصر فقط على عملية الإنجاب، وحضانة الأطفال وخدمة الرجل، وعزز من هذا الواقع تفشي ظاهرة الجهل والأمية وسط جماهير النساء، وشعور معظمهن، خاصة في الريف أن لا مكان لهن خارج البيت، وأنهن غير مؤهلات للولوج إلى مجالات العمل العام وساحات النشاط السياسي.
لهذه العوامل مجتمعة، لم يكن هناك حتى مجرد تفكير في أي دور أو مساهمة للمرأة السودانية في المؤسسات النيابية في فترة الحكم الثنائي، وتحديداً المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1943 والجمعية التشريعية عام 1948.
وكما هو متوقع فقد خلت تلكم النصوص من أية إشارات لحق المرأة في الاقتراع أو الترشيح، سواء في الدوائر الجغرافية أو في مقاعد الخريجين، بيد أن قيادات الاتحاد النسائي آنذاك لم تستكن لهذا الإغفال، فقمن برفع مذكرة قوية الحجة إلى رئيس لجنة الانتخابات الدولية التي أشرفت على تلك الانتخابات، المستر سوكو مارسن الهندي الجنسية، والذي ارتبط اسمه بواحدة من أهم العمليات الانتخابية التي شهدتها البلاد.
رد فعل رئيس اللجنة كان إيجابياً، وأبدى تفهماً وتعاطفاً مع مطالب النساء، ورغم أنه كان مقيداً بنصوص واضحة تقصر المشاركة الانتخابية على الرجال فقط، إلا أنه استغل ثغرة في القانون، مارس عبرها سلطته التقديرية، ومن ثم اتخذ قراره الشجاع والتاريخي بالسماح للخريجات بالاشتراك كناخبات في انتخابات مقاعد الخريجين دون الدوائر الجغرافية.
والمفارقة غير المنطقية هنا، أن ذات المرأة الخريجة التي أُذن لها بالاقتراع في دوائر الخريجين، لم يُسمح لها بالتصويت أو الترشيح في الدوائر الجغرافية، أي أنها مُنحت الامتياز الأعلى، وهو صوت المتعلمين الإضافي، وحُرمت من الحق الأصلي، وهو التصويت كمواطنة عادية في الدوائر الجغرافية.ومما يبعث على الحيرة حقاً، أن النص المعيب، الذي اشترط الذكورة Any Sudanese
هذا النصر الذي حققته المرأة في انتخابات 1953، رغم ضآلته ما لبث أن أصيب بنكسة كبيرة عندما أُلغيت مقاعد الخريجين في الانتخابات التالية عام 1957، وبذا تم تغييب كامل لمساهمة المرأة في الانتخابات البرلمانية طيلة مرحلة فجر الاستقلال، واستمر الحال كذلك أثناء حكم الفريق عبود عندما حرمت المرأة السودانية من المشاركة في انتخابات المجلس المركزي عام 1963.
وللحق، فقد كان رفع الظلم عن كاهل نصف المجتمع، واحداً من أعظم الإنجازات الباهرة لثورة أكتوبر المجيدة، وعلامة فارقة في المسيرة الديمقراطية والسياسية في البلاد.
وبالقطع فقد كان لهذا الموقف الأثر الكبير في الحيلولة دون ترشيح أو فوز ممثلات للنساء في انتخابات الجمعية التأسيسية لسنة 1965 خاصة في الدوائر الجغرافية، إذ ترددت الأحزاب التاريخية في ترشيح نساء في تلك الدوائر أو غيرها خشية الاعتماد على رهان خاسر، لهذا جاءت المؤسسات النيابية التي انتخبت عامي 1965 و1968، حكراً على الرجال دون النساء.
وبغض النظر عن اللون السياسي للسيدة فاطمة، فإن فوزها شكل انتصاراً عظيماً للمرأة السودانية بمختلف انتماءاتها الفكرية أو السياسية.