أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

بدرية البشر - السعودية تمتلئ الصحف الإماراتية هذه الأيام بأخبار انتخابات أعضاء المجلس الوطني الإماراتي. وطبقاً للدستور الإماراتي، فإن سلطة المجلس الوطني الاتحادي تتحدد وظيفته التشريعية في مناقشة التعديلات الدستورية، ومشاريع القوانين، وله أن يوافق عليها أو يعدّلها أو يرفضها وإبداء ما يراه من ملاحظات على ما يُخطر به من معاهدات واتفاقات دولية، وما يحيله إليه رئيس الدولة من اتفاقات ومعاهدات، ومناقشة موازنة الدولة وحسابها الختامي وإبداء ملاحظاته عليها. اللافت للنظر هذا العام هو ظهور المرأة كمرشح في انتخابات المجلس الوطني وصور النساء في الصحف الإماراتية يعلنّ عن برامجهن الانتخابية. وأكثر صورة استوقفتني هي صورة امرأة صغيرة تضع مقوماً للأسنان لا يتجاوز عمرها 25 عاماً تعلن عن نفسها كمرشحة وعنوان برنامجها «الشباب»، ومنحهم فرصة للمساهمة في بناء وطنهم والاستماع إليهم، فمن بربكم يستطيع تجاهل مثل هذا البرنامج أو القول إنه مطلب لا يستحق الاهتمام؟ مشاركة المرأة الإماراتية في انتخابات المجلس الوطني تعكس حقيقة تقول إن درجة تحضر المجتمعات تقاس بمدى احترامها لحقوق المرأة ومشاركتها في بناء المجتمع. هذه الدرجة تتجاوز أسطورة أن تكريم النساء هو في عزلهن وراء الجدران وتحويل طاقتهن وعقولهن إلى مستودعات للظواهر السلبية والاستهلاكية وتحويلهن إلى نصف مجتمع عالة، ينتظر من الآخرين الإحسان والرفق والشفقة. أحد السعوديين أخبرني أن ابنته تدرس الحقوق في جامعة هارفرد لتنال شهادة الدكتوراه، وجامعة هارفرد لمن لا يعرفها هي الجامعة رقم واحد بين جامعات العالم. ولا تقبل من الطلبة إلا المميزين وترتيبها الخامس عالمياً من حيث صعوبة القبول. وخمسة من رؤساء أميركا تخرجوا فيها وآخرهم أوباما وزوجته. منذ سمعت هذا الخبر وأنا أشعر بشعورين متناقضين، الأول هو سعادتي الكبيرة بأننا أصبحنا كمجتمع نسائي من السعودية نحظى بهذا الحضور، وأن بناتنا وصلن الى موقع الصدارة في الوصول الى هذا الدور العالمي في محاربة السرطان وتصنيع الدواء والتكنولوجيا وحتى في القانون، فلدينا المحاميات والطبيبات والباحثات والمعلمات ولدينا أمهات متعلمات لم تتوافر لهن فرصة القيام بدور خارجي، لكنهن يربين أجيالاً تحب العلم والعمل. والشعور الثاني هو الخوف من أن تذهب كل هذه الطاقات من بين أيدينا وتذهب في الحزن واللاجدوى، لأننا ما زلنا نتردد ونتجادل في منح المواطنة حقوقها، وأبسطها أن تباشر حركتها بنفسها وتقود سيارتها بنفسها لتذهب إلى جامعتها أو عملها، وإلى المدرسة أو المحكمة، وما هذا الحق سوى بوابة لتصل إلى حقوقها الأخرى.  وبمناسبة احتفالنا بمرور 81 عاماً على توحيد بلادنا الغالية، ثم مناسبة إلقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خطابه السنوي أمام مجلس الشورى اليوم، فإنني أنتهز هاتين المناسبتين الكبيرتين لأرفع صوتي لمقام خادم الحرمين الشريفين، تعبيراً عن أصوات مواطنات يتوجهن إليه في مناسبات عدة بنداءات تطالب بأن تمنح المواطنة المرأة حقوقها التي من دونها لا يمكنها أن تساهم في بناء وطنها، وأظن أن أول سؤال أتمنى أن يلقيه خادم الحرمين الشريفين على أعضاء مجلس الشورى هو: أين المرأة في هذا المجلس؟ وأين حقوقها في قائمة أعمالكم؟ حفظ الله وطننا عالياً وحفظ الله الملك.

 بدرية البشر - السعودية

يقول عباس محمود العقاد: «يبدأ الشاب بالنزعة الواقعية، ثم ينتهي إلى التعديل فيها، وليس من الضروري أن يبدأ بالخيال وينتهي بالنزعة الواقعية، على أن الحقيقة أن النزعة الواقعية عند الشاب لا تخلو من الغضب العنيف على محاسن الخيال والأمثلة العليا. فكما أن الفتى المدلّه يشعر بالخيانة من حبيبته فيروح ثائراً غاضباً يقسم أنها دميمة وحقيرة ولا تستحق منه الشغف ولا الغضب، كذلك يفعل الشاب الذي يخيب أمله في المثل الأعلى فينقلب عليه ثائراً غاضباً، فيقسم أنه خرافة، والحياة كلها مادة، وأن الإنسان حيوان وخير له أن يعيش كالحيوان، فلا ينبغي أن نصدق العاشق الثائر على الحبيبة، ولا الفتى الثائر على المثل الأعلى، فالعاشق يثور وينكر جمال حبيبته لأنه يحب ويريد أن يحب، والفتى يثور وينكر جمال المثل الأعلى لأنه يؤمن ويريد أن يؤمن».

إنها فلسفة قد تصف حماقة الفتاة المصرية (21 سنة) التي نشرت صورتها على النت عارية، فمن لا يبالي لا يحتج، وإن كان مفروغاً منه الإشارة إلى الحدود التي جنحت الفتاة فتجاوزتها بتصرفها المستهجن، ولكن الأغرب أن تجد نساء تؤيدنها، بل تهددن بالحذو حذوها! ناهيك عن رضا خطيب الفتاة - ويدعى كريم - وتسليمه برعونتها بنشره لصورته العارية على صفحتها في «فايسبوك»، فهل وصلنا بحلولنا إلى الاقتناع فعلياً أن الانتحار بمعنييه هو وسيلتنا للتعبير؟

فما الفرق بين حرق البوعزيزي وعري الفتاة؟ كلاهما حكم على نفسه بالإعدام، غير أن الأول نصّبوه بطلاً، والثانية وُصمت بـ «الفُجْر» وبكل عبث يرميه المرء على غيره ليشعر أنه الأفضل، لكن هذا لا ينفي موت الاثنين، واحد بشكل مادي صريح فدفن بما تبقى منه، والآخر قيل إنه لا يزال يتنفس والأرجح أن الحياة فارقته من دون علمه، فإذا لم يصل إلى تفكير علياء بعد - وهو اسم الفتاة - أنها بخروجها ذاك قد قُبرت في نظر مجتمعها أو معظمه، فتأكد أن استيعابها سيكون مسألة وقت، هذا إن استمرت إقامتها في مجتمع أدارت ظهرها لقيمه وتقاليده وتعاليم دينه، فإدراك الواقع لا يتأتى لإنسان لا يزال محدوداً بسنواته الغضة، وبشلة المشوِّشين عليه، كما أن الشاب ليس في وسعه العيش في عمرين ونضجين مختلفين، فإن كان مرور الزمن لن يغير تماماً في عناصر النفس، وهو أقرب إلى: من أنت من الأساس، بما فيها من أخلاق وأطوار وشهوات لن تختفي وكأنها لم تكن، غير أنها ستختلف في أحوالها من الفوران إلى الاستقرار، وعندها سينظر المرء إلى ما قدمت يداه!

ففي مرحلة الشباب يكون الغليان قوياً، تختلط فيه المواد فتذوب وتتحلّل، فلا تكاد تميزها حتى تغيب عنك، حتى إذا مر الشباب ورسب ما قد رسب، وطفا ما قد طفا، فقلّ اختلاط موادك، وبنسبة أقل ذوبانها وتحلّلها، وإذا إحصاؤك لم يعد عصياً ولا صعباً، فتتعرف على تجاربك، وما رسا منها الواحدة تلو الأخرى. فإن كان في الغليان قوة، فإن في الوضوح معرفة وهي القوة الأخلد، فماذا عندها إذاً؟

حين توقن أن اختياراتك في شبابك عقّدت الجزء الآخر من حياتك، قد تتحملها وتبلع همك وتمضي مهاجراً مطأطأ رأسك، وقد لا تقوى فتلفظ معاناتك ومعها رمق حياتك، وهذا ما أتوقعه للفتاة التي يتحمل طيشها ومصيرها المأزوم كل مسؤول فرّط في أمانته، وكل منافق تزلّف باسم الدين والأخلاق، فاختلال الفتاة وكفرها بكل شيء، وراءه صدمة وفجيعة في كل شيء، وكل هذا ولا نظل «نطبطب» على المفرِّطين والمرائين ونوسع لهم، فكم إنسان قضى عليه هؤلاء المفسدون! وكم امرأة أعدمت على أيديهم! أو أفلتت من إعدامهم فتوحّشت! فإن بحثت عن الجلاد، فهو يحاضر في شرف الضمير وأخلاقيات الكرامة وأصوليات المحافظة، وبموافقة المجتمعين ومباركتهم، أتدرون شيئاً! قبل أن تتبرأ حركة 6 أبريل من عضوية الفتاة، وتتهم الدول والفضاء بالتآمر ضد الثورة وأهدافها «النقية»، وقبل أن تُرجم الفتاة بحجارة الطهر المزعوم، فلننظر جميعنا إلى بيوتنا ومؤسساتنا فنرفع ظلمنا ورياءنا عنها، فما يدرينا أننا لا ننام على علياء أخرى وكريم آخر!

تعليقات