إذا أعطيت نفسك الحق فى امتلاك قوة نووية فليس من حقك أن تمنعنى من هذا الحق نفسه؟هذه البديهية أو المبدأ الأخلاقى العادل يغيب عن العقول الأمريكية الإسرائيلية، هما يمنعان إيران من امتلاك قوة نووية هما يملكانها، من حق أى دولة فى العالم أن تتقدم علميا وأن تطور قدراتها النووية فى المجالات المختلفة فى السلم والحرب، خاصة أننا نعيش فى عالم يشبه الغابة، الغلبة فيه لمن يملك السلاح العسكرى الأقوى.لماذا يسكت العالم عن مئات الرؤوس النووية فى إسرائيل وأمريكا ويصرخ إن شرعت إيران أو غيرها فى تطوير رأس نووى أو نصف رأس؟أليس هذا دليلاً على فساد العالم؟أيهما أرقى أخلاقياً الذى يمتنع عن الكذب أو الظلم خوفا من العقاب أم الذى يمتنع عنهما حباً فى الصدق والعدل؟أخطأ بعض العلماء فى فهمهم الأخلاق (منهم سيجموند فرويد أبو الطب النفسى الحديث) بسبب نشأتهم فى ظل مجتمعات رأسمالية أبوية، تحكمها القوة وليس العدل أو الأخلاق.يتصور كثيرون أن القانون الدولى عادل، أن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية يحكمها قانون عادل، لكن الدراسة المحايدة لهذه المنظمات الدولية تكشف قوانينها المزدوجة، تحكم بمكيالين، تعاقب الأضعف وتبرئ الأقوى.ما حدث للشعب الفلسطينى فى ظل الاحتلال الإسرائيلى لأكثر من ستة عقود، وما حدث للشعب العراقى فى ظل الاحتلال الأمريكى خلال العقدين الماضيين، وما يحدث للشعب الليبى اليوم، تحت غزو الناتو- تؤكد ذلك. تتنازع دول الحلف الأطلنطى على نصيبها من بترول ليبيا، كما تنازعت على بترول العراق، الفريسة تنهشها ضباع الغابة.ليس هناك شىء اسمه حرية مطلقة أو عدل مطلق، كل شىء نسبى، لكن لا يمكن لنا أن نتغاضى عن القوانين المزدوجة الظالمة للفقراء والضعفاء والنساء تحت اسم النظرية النسبية.الدولة المتحضرة هل هى دولة القانون؟ إذا كان القانون رأسمالياً أبوياً يفرق بين الناس على أساس الطبقة والجنس والدين، فهل هذه حضارة؟تكشف الثورات الشعبية المنفجرة اليوم فى الغرب والشرق أن النظام الحاكم فى الغرب والشرق لا يصلح للشعوب ولا يمكن أن يستمر؟إذا كان القانون الأمريكى يشرّع غزو البلاد الأخرى والاستيلاء على بترولها فهل يتخلى الجندى الأمريكى عن هويته الأمريكية ويرفض الحرب طاعة لضميره الإنسانى؟حدث ذلك لبعض الجنود الأمريكيين فى العراق وتم تقديمهم لمحاكمات عسكرية بتهمة الخيانة الوطنية. إذا كان القانون المصرى يبيح للرجل أن يجمع فى الفراش بين أكثر من امرأة فهل يمارس الرجل المصرى عملا غير أخلاقى لمجرد أن القانون لن يعاقبه؟حدث ذلك لرجال مصريين كثيرين أطاعوا القانون وخالفوا ضمائرهم.العقل الإنسانى الصادق والضمير الحى أكثر رقياً وعدلاً من القانون الرأسمالى الأبوى السائد، فالقانون يصدر عن توازنات سياسية اقتصادية بين الأحزاب القوية فى الحكم والمعارضة، القانون محصلة للقوى المتصارعة على الحكم فى العالم أو داخل الدولة أو القبيلة.لهذا يقع الظلم القانونى على الدول الصغيرة والشرائح الضعيفة مثل الأطفال والنساء والأجراء غير المنظمين داخل أحزاب واتحادات قوية قادرة على انتزاع حقوقهم وتغيير القانون والدستور ليتحقق العدل.تحدث الثورات الشعبية فى التاريخ من أجل تغيير الدستور والقوانين غير العادلة، يقوم بالثورة المظلومون من (نساء، عمال، فلاحين، عبيد) لنيل حقوقهم المسلوبة، وقد يشاركهم الثورة بعض الأفراد من الطبقة الرأسمالية الأعلى أو من الجنس الذكورى الأسمى، هؤلاء الأفراد تجاوزوا مصالحهم الطبقية الأبوية، أو الجنسية أو القومية أو الدينية أو غيرها من الهويات الموروثة، هؤلاء يمثلون العقل الإنسانى الراقى والضمير الحى، الذى يحب العدل ويسعى إليه لا طمعاً فى جنة ولا خوفاً من نار، هؤلاء قلة فى العالم نساء ورجال، لكنهم يقودون البشرية فى كل عهد إلى الحضارة الأرقى.نحن نعيش حضارة غير إنسانية، طبقية أبوية دينية جنسية من مختلف الدرجات والأشكال، ولا يزال الطريق طويلا وشاقا إلى التحضر الإنسانى عقلا وضميرا.الامتناع عن أعمال ينهى عنها القانون يعتبر درجة حضارية، نرتفع فيها على سلم التربية نحو الأخلاق والتهذيب، نحو الابتعاد عن الصفات البهيمية، تعقبها درجات أعلى من تربية العقل ويقظة الضمير حتى نمتنع عن الظلم والكذب حبا فى العدل والصدق والإخلاص لا خوفا من القانون أو طمعا فى المكافأة.لماذا لا نغير أسس التربية والتعليم فى بلادنا، حتى يتربى العقل والضمير منذ الطفولة على القيم الإنسانية العليا أى الحضارة الحقيقية؟بعض القوى السياسية والدينية، وأصحاب النظرية النسبية والواقعية، يتهموننى باليوتوبيا أو المثالية والخيال، لكن الخيال فى عالم الكذب والفساد أصدق من الحقيقة، وقد قالت الرواية الأدبية الصادقة عن فساد الأنظمة السابقة أكثر مما قالته المقالات السياسية، وبينما كان أصحاب وصاحبات الأدب والخيال فى السجن أو المنفى أو فى ثورة ميدان التحرير، كان زعماء السياسة وأصحاب الذقون والنظرية النسبية والواقعية يفلسفون ويبررون ويتعاونون ويتفاوضون مع أقطاب السلطة الحاكمة.ليس الفساد فى نظام مبارك فقط أو السادات أو غيرهما، لكنه فى كل الأنظمة الحاكمة شرقا وغربا، فى صلب الحضارة الرأسمالية الأبوية الموروثة عن الإقطاع والعبودية. النظام يعيد إنتاج نفسه فى كل عهد، لأن الأسباب الحقيقية للفساد تظل موجودة.
الحضارة الرأسمالية الأبوية ومفهوم الفساد
تعليقات