في الأصل، اشتقت كلمة دبلوماسية من كلمةٍ يونانيةٍ "دبلوم أو دبلون" بمعنى "طوى أو ثنى" للدلالة على الوثائق المطوية والأوراق الرسمية الصادرة عن الملوك والأمراء، ثم مع مرور الزمن وتنامي العلاقات الدولية وتعقيداتها، تطور معناها لتشمل الوثائق التي تتضمن نصوص الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وليتم تعريفها، رغم تعداد هذه التعاريف وتباينها، على أنها مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين، بهدف خدمة المصالح العليا (الأمنية والاقتصادية) والسياسات العامة وللتوفيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل وإجراء المفاوضات السياسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية.
وتعتبر الدبلوماسية الركن الأساسي في العلاقات الدولية المعاصرة، حيث يتم بواسطتها إقامة هذه العلاقات وتنميتها ومعالجة جميع المسائل ذات الطبيعة الدولية والتوفيق بين مصالح الدول المتعارضة ووجهات نظرها المتباينة. وتتمتع الدبلوماسية بدورٍ كبيرٍ في تسوية المنازعات الدولية وإشاعة الجو الودي في العلاقات بين الدول المختلفة، مع احتفاظ كل دولةٍ بقدرتها على تدعيم مكانتها السياسية وتعزيز نفوذها في مواجهة الدول الأخرى. كما تعتبر الدبلوماسية أداةً رئيسيةً من أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول بالتأثير على الدول الأخرى، بغرض استمالتها وكسب تأييدها بوسائل عدّة، منها ما يندرج تحت أسلوب الإقناع الأخلاقي، ومنها ما ينطوي على أسلوب ترهيبي مبطّن وغير أخلاقي. وتكون الدبلوماسية طريقاً إلى توصيل المعلومات للحكومات والتفاوض، كما تُعنى بالدفاع عن مصالح وأشخاص رعاياها في الخارج وتمثيل الحكومات في المناسبات والأحداث الدولية، إضافة إلى جمع المعلومات عن أحوال الدول والجماعات الخارجية وتقييم مواقف الحكومات والجماعات إزاء قضايا راهنة أو ردات فعل محتملة إزاء سياسات أو مواقف مستقبلية.
إن جذور الدبلوماسية موغلةٌ في القدم، حين نشأت استجابةً لضرورة تنظيم العلاقات بين القبائل والشعوب (المصريين والبابليين والآشوريين) حيث مارس المبعوث دوراً سياسياً، يُعتبر في طليعة الأدوار السياسية الواضحة في المجتمعات الإنسانية التي وصلت إلينا. أما مهمة ذلك المبعوث، فقد اقتصرت على بناء التفاهم حول قضايا مختلف عليها، مثل تقسيم المياه أو تحديد مناطق الصيد لكل من الأطراف أو إقامة التحالف ضد أطراف ثالثة أو إعلان الحرب أو إبرام الصلح وتبادل الأسرى أو الوصول إلى الاتفاقيات التجارية. كما حاول اليونان والرومان تنظيم مثيلات تلك المهام بواسطة مبعوثين كانوا يسمّونهم "egatis"، لتسير الكنيسة المسيحية، فيما بعد، على ذات المنوال عندما اتخذت مبعوثين مقيمين لديها.
في المراحل الأولى لتطور مفهوم الدبلوماسية، انطوى العمل الدبلوماسي على الكثير من التآمر والجاسوسية. وفي مرحلة لاحقة، أرست معاهدة وستفاليا الموقعة عام 1648 قواعد الدبلوماسية الدائمة والمقيمة - وإن لم تحسم بوضوحٍ نهائي مسألة امتيازاتها وحصاناتها. ثم أتى انعقاد مؤتمر فيينا عام 1815 (سقوط نابليون الأول)، ليؤسس لفترة امتدت حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 وتميّزت بتأثّرها بنظريات كبار رجال القانون الدولي من أمثال غروشيوس وجنتليس ودي كاليير، فاكتسبت العلاقات الدبلوماسية قواعد ثابتة وأسساً واضحة ترسّخت مع مرور الزمن من خلال احترام الدول لها والعمل وفقها.
وترسّخ، في هذه المرحلة، مفهوم البروتوكول الدبلوماسي كوسيلةٍ من وسائل تمكين الدبلوماسي من شرح موقف حكومته بتعابير دقيقةٍ ومنمقةٍ. كما أصبح السفراء ممثلين للدولة، لا لشخص الملك أو رئيس الدولة بالذات، ومنتظمين في كادر يتمتع بكيانٍ خاصٍ، وتراجع دور السفراء في التجسس والتخريب، وتركزت مهامّهم في إطلاع دولتهم عمّا يجري في البلاد المعتمدين لديها والإسهام في إيجاد الحلول الودية للمنازعات الدولية ضمن إطار الحفاظ على موازين القوى، إلا أن عملهم نفسه اتّسم بالسرية والكتمان وانحصرت المعلومات المتعلقة به بأشخاصٍ قلائلٍ، وبالتالي تمتع السفراء بمرونةٍ كبيرةٍ وحريةٍ في العمل. كما تعززت، فكرة الامتيازات والحصانات الدبلوماسية انطلاقاً من ضرورة توفير جوّ من الأمان والطمأنينة العامة لتمكين الدبلوماسيين من القيام بمهامهم، مع تعبيرهم عن الاحترام للدولة الأخرى والحرص على حسن العلاقات معها، وعليه اعتبر بالتالي أن الإساءة لمبعوثيها تعني الإساءة للدولة الأخرى إلى درجة أن توتر العلاقات الناتج عن مثل هذا التصرف قد يؤدي إلى إعلان الحرب بين الدول.
تقصر هذه الاتفاقية الحق في تبادل التمثيل الدبلوماسي على الدول كاملة السيادة. أما الدول ناقصة السيادة، كالدول المحمية أو التابعة أو المشمولة بالوصاية، فليس لها، في الأعم الأغلب، ممارسة هذا الحق، إلا في حال كانت علاقتها بالدولة التي تدير شؤونها تخوّلها هذا الحق.
أما بالنسبة للدول التي تنضم إلى اتحاد دولي، فالأمر يختلف تبعاً لنوع الاتحاد ومدى تأثيره على الشخصية الدولية لهذه الدول. فإذا كان الاتحاد لا يؤثر على الشخصية الدولية للدول المنضمة إليه كالاتحاد الشخصي والاتحاد الكونفدرالي، فإنه يبقى لهذه الدول الحق في تبادل التمثيل الدبلوماسي مع غيرها من الدول. أما في حال فناء شخصيتها الدولية، كما هو الحال في الاتحاد الفيدرالي والاتحاد الفعلي، فتفقد هذه الدول الحق في تبادل التمثيل الدبلوماسي لصالح دولة الاتحاد، إلا إذا اُتفق على أن يكون لإحدى هذه الدول أو بعضها الحق في مباشرة التمثيل الدبلوماسي بنفسها.
ولكل دولة الحق في اختيار أعضاء بعثاتها الدبلوماسية، وتحديد كل ما يتعلق بوضعهم المهني كبيان كيفية التعيين وشروطه، وتحديد أقدمياتهم وترقياتهم وقواعد نقلهم وندبهم ومرتباتهم وكيفية تأهيلهم وإعدادهم وما إلى ذلك. وعادة ما يكون أعضاء البعثة الدبلوماسية من مواطني الدولة المعتمدة. ولكن ليس هناك ما يمنع اختيارهم من مواطني الدولة المضيفة أو دولة ثالثة، بشرط موافقة الدولة المضيفة على ذلك.