أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

المرأة السودانية والطريق إلى البرلمان (3)

الدكتور محمد أحمد سالم - السودان يُعد حق الانتخاب- بشقيه الترشيح والاقتراع- واحداً من أبرز الحقوق المدنية والسياسية في منظومة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ذلك لارتباط هذا الحق بالممارسة الديمقراطية، والمشاركة في إدارة الشأن العام عبر انتخاب الحكام والمشرعين المناط بهم إصدار القوانين المنظمة لحركة المجتمع والدولة، وصنع السياسات، وإقرار الخطط العامة لمسيرة البلاد. هذه الصلة الوثيقة بين الحقوق السياسية والمشاركة في عملية التغيير والتطوير، لم تفت على رائدات الحركة النسوية السودانية منذ بواكير انطلاقتها في مطلع خمسينيات القرن الماضي، واللائي أدركن ألّا سبيل إلى تحرير المرأة ونيل حقوقها كاملة إلا عبر تمتعها بالحريات الأساسية، وفي مقدمتها، الحق في المشاركة في الانتخابات العامة مرشحة وناخبة.  ولم يكن ذلك أمراً سهلاً أو ميسوراً، أو طريقاً مفروشاً بالورود والرياحين في ظل التخلف الاجتماعي والتقاليد البالية، وعقلية الحرس القديم المحافظة، والنظرة الدونية للمرأة كمواطنة من الدرجة الثانية، وشريك ثانوي همه الأول قاصر فقط على عملية الإنجاب، وحضانة الأطفال وخدمة الرجل، وعزز من هذا الواقع تفشي ظاهرة الجهل والأمية وسط جماهير النساء، وشعور معظمهن، خاصة في الريف أن لا مكان لهن خارج البيت، وأنهن غير مؤهلات للولوج إلى مجالات العمل العام وساحات النشاط السياسي.  لهذه العوامل مجتمعة، لم يكن هناك حتى مجرد تفكير في أي دور أو مساهمة للمرأة السودانية في المؤسسات النيابية في فترة الحكم الثنائي، وتحديداً المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1943 والجمعية التشريعية عام 1948.  وسار الحال على ذلك المنوال إلى أن أُصدر دستور الحكم الذاتي لسنة 1953، والذي تقرر بموجبه إجراء انتخابات عامة لاختيار أول برلمان سوداني، وكانت النصوص المنظمة لتلك الانتخابات بما فيها شروط الأهلية، موزعة بين الدستور وقانون الانتخابات. وكما هو متوقع فقد خلت تلكم النصوص من أية إشارات لحق المرأة في الاقتراع أو الترشيح، سواء في الدوائر الجغرافية أو في مقاعد الخريجين، بيد أن قيادات الاتحاد النسائي آنذاك لم تستكن لهذا الإغفال، فقمن برفع مذكرة قوية الحجة إلى رئيس لجنة الانتخابات الدولية التي أشرفت على تلك الانتخابات، المستر سوكو مارسن الهندي الجنسية، والذي ارتبط اسمه بواحدة من أهم العمليات الانتخابية التي شهدتها البلاد.  رد فعل رئيس اللجنة كان إيجابياً، وأبدى تفهماً وتعاطفاً مع مطالب النساء، ورغم أنه كان مقيداً بنصوص واضحة تقصر المشاركة الانتخابية على الرجال فقط، إلا أنه استغل ثغرة في القانون، مارس عبرها سلطته التقديرية، ومن ثم اتخذ قراره الشجاع والتاريخي بالسماح للخريجات بالاشتراك كناخبات في انتخابات مقاعد الخريجين دون الدوائر الجغرافية.  ورغم أن عدد النساء اللائي استفدن من هذا القرار كان محدوداً للغاية، إلا أن مجرد المشاركة الرمزية تلك كانت كافية لإحداث الاختراق المنشود وكسر الحاجز النفسي، بل وبعث ومضة ضوء وأمل في نهاية النفق المظلم. والمفارقة غير المنطقية هنا، أن ذات المرأة الخريجة التي أُذن لها بالاقتراع في دوائر الخريجين، لم يُسمح لها بالتصويت أو الترشيح في الدوائر الجغرافية، أي أنها مُنحت الامتياز الأعلى، وهو صوت المتعلمين الإضافي، وحُرمت من الحق الأصلي، وهو التصويت كمواطنة عادية في الدوائر الجغرافية.ومما يبعث على الحيرة حقاً، أن النص المعيب، الذي اشترط الذكورة Any Sudanese  Male، كشرط من شروط أهلية الناخب، لم يرد في قانون الانتخابات، بل في الجداول الملحقة بالدستور وهكذا، وعوضاً عن أن يكفل الدستور الحقوق الأساسية ويصونها كما هو المفترض، سعى لحجبها، بل وإنكارها. هذا النصر الذي حققته المرأة في انتخابات 1953، رغم ضآلته ما لبث أن أصيب بنكسة كبيرة عندما أُلغيت مقاعد الخريجين في الانتخابات التالية عام 1957، وبذا تم تغييب كامل لمساهمة المرأة في الانتخابات البرلمانية طيلة مرحلة فجر الاستقلال، واستمر الحال كذلك أثناء حكم الفريق عبود عندما حرمت المرأة السودانية من المشاركة في انتخابات المجلس المركزي عام 1963.  بيد أن ليل نساء السودان لم يطل كثيراً، إذ سرعان ما تفجرت الثورة الشعبية في أكتوبر 1964 وأطاحت بالحكم العسكري، ومن ثم وتواضعت القوى السياسية على ميثاق عمل وطني رسم معالم الطريق إلى المستقبل، وانطوى على اعتراف كامل بحق المرأة في الاقتراع والترشيح في كافة الدوائر بما في ذلك الدوائر الجغرافية. وللحق، فقد كان رفع الظلم عن كاهل نصف المجتمع، واحداً من أعظم الإنجازات الباهرة لثورة أكتوبر المجيدة، وعلامة فارقة في المسيرة الديمقراطية والسياسية في البلاد.  غير أن إنزال هذا الإنجاز إلى أرض الواقع لم يكن سهلاً أو هيناً، فقد جُوبه التحول التاريخي في بداياته برفض عنيد ومعارضة شرسة في مناطق الريف المحافظة وخاصة في الشرق والشمال، ومنعت المرأة من المشاركة رغم أنف القانون والدستور. وبالقطع فقد كان لهذا الموقف الأثر الكبير في الحيلولة دون ترشيح أو فوز ممثلات للنساء في انتخابات الجمعية التأسيسية لسنة 1965 خاصة في الدوائر الجغرافية، إذ ترددت الأحزاب التاريخية في ترشيح نساء في تلك الدوائر أو غيرها خشية الاعتماد على رهان خاسر، لهذا جاءت المؤسسات النيابية التي انتخبت عامي 1965 و1968، حكراً على الرجال دون النساء.  والاستثناء الوحيد كان فوز السيدة فاطمة أحمد إبراهيم بمقعد من بين مقاعد الخريجين الخمسة عشر في انتخابات الجمعية التأسيسية عام 1965، وبذا دخلت التاريخ السياسي للسودان كأول امرأة تصبح نائبة برلمانية. وبغض النظر عن اللون السياسي للسيدة فاطمة، فإن فوزها شكل انتصاراً عظيماً للمرأة السودانية بمختلف انتماءاتها الفكرية أو السياسية.  ولقد كان مشهد المرأة الوحيدة بثوبها السوداني الناصع البياض، وسمتها المميزة بين المئات من الرجال داخل قاعة البرلمان، مبعثاً لغبطة وسرور رواد الرومانسية السياسية من مناصري المرأة، وفي ذات الوقت نظر إليها الآخرون من المتشددين والمحافظين، وكأنها حصان طراودة ذو مظهر بريء، لكنه في الواقع مقدمة لتسلل الأعداء الرابضين خلف أسوار القلعة الحصينة.. قلعة البرلمان.. المملوكة والمحتكرة للرجال آنذاك. الدكتور محمد أحمد سالم - السودان تحدثنا في الحلقة السابقة عن نضال الحركة النسوية السودانية في سبيل نيل حقوقها السياسية، وفي مقدمتها حق الانتخاب والمشاركة في إدارة الشأن العام، وكيف تُوِّج ذلك النضال المجيد بدخول أول إمرأة سودانية البرلمان عقب ثورة أكتوبر المجيدة عند فوز السيدة فاطمة أحمد إبراهيم بمقعد في الجمعية التأسيسية عام 1965 من ضمن المقاعد الخمسة عشر التي خُصصت للخريجين، أو بمعنى آخر للطبقة المتعلمة والمثقفة. وكما هو معروف فالسيدة فاطمة كانت وما زالت من قيادات الحزب الشيوعي السوداني التاريخية، بيد أنه ولحكمة أو لتكتيك سياسي ذكي لم يُدرك في حينه، لم تترشح السيدة فاطمة ضمن قائمة الحزب الشيوعي، لكن خاضت الانتخابات كمرشحة مستقلة، ولقد أثبت ذلك التكتيك نجاعته عندما ألمت بالحزب محنة حادثة معهد المعلمين العالي التي أدت إلى تعديل الدستور، وحل الحزب وطرد نوابه من الجمعية، لكن ذلك الإجراء لم يطل عضوية السيدة فاطمة أحمد إبراهيم، لأنها رسمياً لم تكن ضمن نواب الحزب الشيوعي في البرلمان، والذي يهمنا هنا هو أن المرأة الوحيدة في البرلمان لم تفقد عضويتها، والتي استمرت حتى حل الجمعية بواسطة مجلس السيادة عام 1968، عند استقالة معظم أعضائها وبالتالي فقدانها نصاب الثلثين المطلوب لإجازة الدستور. في عام 1968 أُصدر قانون انتخابات جديد، لكن للأسف أسقطت منه النصوص المتعلقة بدوائر الخريجين، ويبدو أن الأحزاب التاريخية لم تكن متحمسة كثيراً لتلك الدوائر التي كانت تكتسحها الأحزاب العقائدية، وتحديداً الحزب الشيوعي والأخوان المسلمين.  وبإلغاء دوائر الخريجين، سُدت النافذة الوحيدة التي كانت مدخلاً لتمثيل المرأة في البرلمان، ذلك أن حظها في هذه الدوائر كان أوفر دائماً نسبة لخلفية وطبيعة ناخبي هذه الدوائر من المتعلمين والمثقفين، والمختلفين في تفكيرهم ورؤاهم عن ناخبي الدوائر الجغرافية ذات الكثافة السكانية العالية والميول المحافظة، خاصة في الريف، الأمر الذي جعل من الاستحالة فوز إمرأة في الدوائر الجغرافية، وسوف نثبت لاحقاً في الحلقات القادمة، إنه لم يحدث إطلاقاً في تاريخ الانتخابات السودانية- ولمدى ستين عاماً للوراء- أن فازت إمرأة في دائرة جغرافية في عهود التعددية الحزبية.  والاستثناءات القليلة التي حدثت وحصلت فيها نساء على مقاعد جغرافية، كانت في ظل حكم الحزب الواحد، والقراءة المتأنية لتجربتنا البرلمانية تكشف أن مشاركة المرأة السياسية ودخولها البرلمان في كل الحقب الدستورية، كان يتم بواحدة من طريقتين،إما دوائر المتعلمين والمثقفين، أو نظام الكوتة النسائية التي يتدخل الدستور أو القانون فيفرضها فرضاً في النظام الانتخابي. ومن عجب أن بعض القيادات النسائية، ظلت تعترض على نظام الكوتة أو الحصة النسائية، بدعوى أن من الأفضل أن تترك المرأة لوحدها تشق طريقها دون تمييز أو حماية قانونية، وأن تلغى تبعاً لذلك أية تدابير تعطي المرأة حصة معلومة من المقاعد، أو نسبة تمثيل في مؤسسات الحكم التنفيذية أو التشريعية.  هذا المنطق الذي نحترمه، منطق مثالي وخيالي، لا صلة له بالواقع المعاش ولا بالحقائق الماثلة على الأرض.. فالنظرة التقليدية لدور المرأة في الحياة العامة في معظم نواحي الريف السوداني، ستكون عائقاً أمام أي تمثيل عادل للمرأة.. ولو أردنا أن ننتظر حتى ترتفع نسبة الوعي وتتغير المفاهيم، فسوف يحتاج ذلك إلى وقت طويل، ذلك أن تبديل القناعات الراسخة والمتجذرة لا يتم بين يوم وليلة، ولو أخذنا بالدعوة إلى رفع مظلة الحماية القانونية والتمييز الإيجابي للمرأة، والغينا نظام الكوتة، فسوف تحدث نكسة كبيرة في حجم تمثيل المرأة البرلماني، ولولا نظام الكوتة هذا لما عرفت البلاد القيادات النسوية البرلمانية الحالية والسابقة، ولحرمت المؤسسة التشريعية من إسهامات المرأة المقدرة.  وللتدليل على صحة ما نقول، نسوق أنموذج التجربة المايوية في هذا المجال، إذ شهد العهد المايوي مشاركة واسعة النطاق للمرأة في ساحات العمل السياسي، وفي عضوية المؤسسات التشريعية لم تعهدها البلاد من قبل. فعوضاً عن إمرأة واحدة في البرلمان، ارتفع العدد إلى العشرات في المؤسسات النيابية المايوية المتعاقبة، بدءاً من مجلس الشعب الأول عام 1972 وحتى مجلس الشعب الخامس (1982- 1985).  ويعود هذا التوسع اللافت في مشاركة المرأة، إلى تبني النظام المايوي لفلسفة تحالف قوى الشعب العاملة التي أتاحت تخصيص مقاعد للفئات والمهن والقطاعات المختلفة، بما في ذلك المرأة، التي نص القانون الانتخابي على كوتة لها بحيث تمثل كل مديرية أو محافظة بعدد من المقاعد المخصصة للنساء، وبالإضافة للمقاعد النسوية كانت هناك مقاعد أخرى متاحة أيضاً لها، إذ فازت بعض النساء بمقاعد في الدوائر المهنية، وأخريات ضمن المقاعد المخصصة للشباب، أو مجالس الآباء والمعلمين، وجاء بعضهن ضمن حصة الـ10% الممنوحة لرئيس الجمهورية، لتعيين الكفاءات القومية المختلفة، ولعمل الموازنات المطلوبة لكفالة تمثيل الأقليات والمجموعات الصغيرة.

الدكتور محمد أحمد سالم - السودان

أشرنا في الحلقة السابقة، إلى أن فضل الريادة في تحرير المرأة السودانية سياسياً، يرجع إلى ثورة أكتوبر المجيدة، كما أوضحنا أن العهد المايوي مضى على ذات الطريق، إذ كفل نظامه الانتخابي، تمثيلاً برلمانياً للنساء لم يسبق له مثيل، وساعد في رفع نسبة المشاركة النسائية، تبني مايو لصيغة تحالف قوى الشعب العاملة- كبديل سياسي- في إطار الحزب الواحد، للتعددية الحزبية، فضلاً عن إعمال آلية الكوتة أو الحصة، بحيث كانت هناك وبنص القانون الانتخابي، مقاعد مخصصة للمرأة في المديريات، تشكل الحد الأدنى لوجودهن داخل البرلمان القومي، مع أية إضافات لهذا الوجود، عبر المقاعد المحجوزة للمهن المختلفة، ومنظمات المجتمع المدني الأخرى. ويرجع الكاتب الصحفي، والمحلل السياسي المعروف، «محمد محمد أحمد كرار»، في توثيقه القيم لانتخابات وبرلمانات السودان، أسباب حصول المرأة السودانية على حقوقها الانتخابية في أكتوبر 1964، وتنامى هذا الكسب في العهد المايوي، إلى تأثير ودفع القوى اليسارية والاشتراكية، التي سيطرت على الساحة السياسية في تلك الفترة، إذ كانت هذه القوى تعول كثيراً على القوى الحديثة، كبديل لللتيارات المحافظة، والطائفية، لهذا سعى اليسار السوداني، جاهداً لمناصرة النساء والشباب، واللذان يشكلان في نظره روافد جديدة وحيّة، لحركة التغيير والثورة التقدمية. تأسيساً على ما تقدم، كان للمرأة السودانية إسهام كبير، ووجود مقدر في المؤسسات التشريعية المايوية، المسماة مجالس الشعب، سواء على الصعيد القومي، أو الإقليمي، عقب تطبيق الحكم الإقليمي عام 1980، وقيام مجالس نيابية في كل من أقاليم السودان الستة، الشمالي، والأوسط، والشرقي، وكردفان، ودارفور، والإقليم الجنوبي. وكانت البداية عبر مجلس الشعب الأول، والذي كوّن عام 1972، وترأسه البروفيسور النذير دفع الله، المدير الأسبق لجامعة الخرطوم، وكان ذلك المجلس بمثابة جمعية تأسيسية، أُنيط بها إعداد وإجازة دستور السودان الدائم لسنة 1973. ضمت عضوية هذا المجلس، أربع عشرة إمرأة من الشمال والجنوب، وشملت القائمة قيادات نسوية كان لها دور فاعل ومشهود في الحياة السياسية، مثل نفيسة أحمد الأمين، ود. فاطمة عبد المحمود، وعلوية عبد الفراج، وهجوة الجزولي، ونائلة بشارة، وأخريات. وفي مجلس الشعب الثاني 1974- 1978، برزت أسماء كل من حياة عمر التجاني، وفتحية عبد الماجد، ومحاسن جيلاني، وميري آيات، ونفيسة بحر الدين، وزينب يسن حاج الصافي، وفوزية محمد خليفة، وانضمت إلى القائمة، إبان فترة مجلس الشعب الثالث 1978- 1980، برلمانيات مقتدرات، في مقدمتهن بثينة الشفيع، وسكينة محمد خير، وعزيزة حسن، وبثينة بابكر، وكريستينا قارديت، وفرونيكا لويس.

وشملت عضوية مجلس الشعب الرابع 1980- 1981، كل من عاجبة أحمد دابش، وخديجة كبر، وثريا عثمان صالح، وزينب الحاج فرح، وآمال عباس العجب، وخدوم عوض، ود. سعاد الفاتح البدوي، وزكية عبد الرحمن، وعائشة علي مطر، وهلين اشولينو، ومنيرة بحر الدين، وحياة خالد. أمّا مجلس الشعب الخامس 1982- 1985، وهو آخر المؤسسات التشريعية المايوية، فقد نالت عضوية المجلس، قياديات من الشمال والجنوب، أبرزهن د. سعاد إبراهيم عيسى، وعازة الحاج إسماعيل، وميري سرسريو إيرو. ورغم اعتراف المراقبين السياسيين، بالتوسع الملحوظ في تمثيل المرأة في البرلمانات المايوية، إلا أنهم أخذوا على هذا التمثيل، اقتصاره على القوى اليسارية، بسبب سياسة العزل السياسي، التي استخدمت لحرمان الكوادر المنتمية إلى الأحزاب التاريخية رجالاً كانوا أم نساء، من الترشيح وخوض الانتخابات، إذ نص القانون الانتخابي الذي كان سائداً في بداية العهد المايوي، على عزل كل العناصر المناوئة للنظام، أو غير المنضوية تحت مظلة الحزب الواحد الاتحاد الاشتراكي السوداني، لهذا لم يشمل الوجود النسائي داخل البرلمان نساء الجبهة الوطنية (الامة والاتحادي والاخوان المسلمين)، الا يعد اجراء المصالحة الوطنية في 1977، وهذا يفسر ظهور أسماء لقيادات نسوية مثل الدكتورة سعاد الفاتح في مراحل متأخرة من التجربة البرلمانية المايوية. والعامل الثاني، الذي ألقى بظلاله على كفاءة وفاعلية المساهمة النسائية في مؤسسات الحكم المايوية، طبيعة النظام الشمولية، وتمركز السلطات السيادية والتنفيذية والتشريعية في أيدي رئيس الجمهورية، والذي كان في ذات الوقت، رئيساً للحزب الحاكم، ورأساً للجهاز التنفيذي، وقائداً أعلى للقوات النظامية، وشريكاً في السلطة التشريعية، فضلاً عن كونه رمزاً للوحدة الوطنية، وللسيادة العليا في البلاد. وإذا تجاوزنا هذه المثالب، وصوبنا النظر نحو حجم ونوعية التمثيل النسائي داخل البرلمانات المايوية، فسوف نكتشف أنه كان التمثيل الأوسع والأكبر مقارنة بالعهود السابقة، كما أن المستوى الثقافي والتأهيل السياسي للكوادر النسائية كان عالياً، ونلاحظ أيضاً أن مشاركة المرأة لم تقف عند حدود العضوية، بل تجاوزت ذلك إلى المواقع القيادية داخل البرلمان.. إذ تولت المرأة رئاسة بعض اللجان الدائمة، وتبوأت منصب مساعد رائد المجلس، وعلى الصعيد التنفيذي وصلت المرأة إلى موقع نائب الوزير ثم الوزير نفسه، وفي المجال التنظيمي دخلت المرأة المكتب السياسي للحزب الحاكم، ولجنته التنفيذية، وعلى المستوى القاعدي شاركت جماهير النساء بصورة أكثر فاعلية في حملات التعبئة القومية والانتخابات والاستفتاء. هذا على النطاق العام، أمّا من حيث الكاريزما السياسية، والنجومية الفردية، فقد تميزت كل من الأستاذة نفيسة أحمد الأمين (معلمة أجيال ورائدة من رائدات الحركة النسوية)، ود. فاطمة عبد المحمود (طبيبة وأول وزيرة سودانية)، والأستاذة آمال عباس (صحفية مرموقة وناشطة سياسية) ود. سعاد إبراهيم عيسى (أستاذة جامعية وكاتبة متميزة). وقبل ختام هذه الحلقة، تجدر الإشارة إلى أن العهد المايوي شهد فوز أول إمرأة في دائرة جغرافية، وهي الأستاذة حياة عمر التجاني عن إحدى الدوائر الجغرافية لمدينة ود مدني، ولقد تكرست هذه السابقة ثلاث مرات لاحقة، في فترة مايو نفسها، وفي عهد ثورة الإنقاذ الوطني في انتخابات المجلس الوطني الأول عام 1996، وكان ذلك في ظل مرحلة الحزب الواحد، وقبل إقرار التعددية السياسية بمقتضى دستور 1998 وقانون التوالي السياسي.

في الحلقات القادمة نواصل متابعة مسيرة المرأة السودانية البرلمانية
تعليقات