فجميع القوانين التي تنادي بالحريات بدأت في عقول المشرعين والمفكرين، وجميع الحريات التي ينادي بها الأقلية أو الأغلبية تبدأ أيضاً من العقول لا من الأجساد. ولكن هناك حرية واحدة تبدأ من الجسد ثم تأخذ طريقها الوعر نحو العقل. إنها حرية إجراء عمليات التجميل، لا يشمل ذلك عمليات التجميل لدواعي طبية وعلاجية؛ ولكن العمليات التي تجعل المرأة أجمل أنحف أقصر أو أطول.
فماذا تريد المرأة من عمليات التجميل؟
هذه المحاولة المستميتة وهذه المجازفة بالصحة وبالحياة كلها لأجل إرضاء الرجل وهي محاولات تقترب بالمرأة إلى نوع حديث من العبودية تجاه الرجل، وهي عبودية اختياريه وليست إجبارية فقليل جداً من الرجال من يجبروا نسائهن على إجراء عمليات التجميل، بل المرأة هي التي تنتقد نفسها بأغلب الحالات ولا تشعر بالرضى عن مظهرها الخارجي.
وما لا تدركه المرأة وبكل أسف بهذه الحالة، بأن الرجل يضجر بل وينفر ممن تحاول إرضاءه حتى عن طريق المجازفة بصحتها بل بحياتها كلها، فهي لا تدرك بأنه لن يتخلى عن فكره الزواج بأخرى، ولن يتخلى عن حريته الشخصية، ولن يتخل عن تسليته مع أصدقائه، ولن يتخلى عن حب آخر في حياته، فقط لأنها قامت بإجراء عملية تجميلية جعلتها تبدو عشر سنوات أصغر، أو عملية تجميلية تجعلها تشبه تلك التي يهتم بها زوجها.
الحرية تبدأ من العقل، وأرقى أنواع الحرية هي قبول الانسان لذاته ولصورته كما هي، وقبوله لتقدمه بالسن بتعقل وحكمه، وإدراكه بأن هذا الجسد وسيلة للحياة بكرامة عبر المحافظة على الصحة، وأن الأهم من كوننا الأجمل هو أن نكون الأفضل. وأن رغبات الرجل لا يجب أن تكون أهم أنفاس الحياة في جسد المرأة، وأن إرضاءه ليس الهدف الأول للمرأة، فهناك عشرات الأشياء أهم، والأهم من هذا كله هو أن الرجل لن يزيد حبه أو ينقص بعلميات التجميل بل بمدى استقلالية المرأة النفسية والمعنوية عنه. وحين تتمدد أهمية الجسد على حساب العقل وما خُلق له فلابد أن تدرك المرأة بأنها سوف تبقى في دوامة الجسد وتحسينه وتجميله، وفي نهاية المطاف حتى عمليات التجميل لن تحقق لها السعادة المنشودة؛ ما يحقق السعادة الحقيقة والدائمة في الحياة هو عقل ناضج واعي مستنير مدرك سبب وجوده بهذه الحياة ولا يلهث لإرضاء أي انسان.