اليمن بعيون ثلاث نساء

عارف محرم - اليمن - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

( أنة من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم ) بهذه الكلمات أرسل نبي الله سليمان كتابة إلى بلقيس ملكة سباء في اليمن ، هذا البلد الذي يعتبر على مر العصور صانع للحضارات ومهد للإنسانية وأصل للكثير من العظماء والكتاب المنتشرين في بقاع الأرض ،
وهنا برعت نباهة وحكمة ملكة سباء وذهبت إلى سليمان لكي تحمي شعبها ومملكتها وهى بخطوتها زادتها قوة ، وبدخولها دين سليمان استطاعت أن توسع رقعة سلطانها ليشمل الحبشة وارتيريا إلى جانب اليمن الطبيعي ، وخلفت ذكرى للتاريخ توثقت بشكل قصص في الأديان السماوية ،

وتمر السنوات ويظهر عظماء جدد نساء ورجال منتمين لهذا الجزء من العالم ، ويبزغ فجر الإسلام ونصرة اليمانيون له سواء بالفتوحات شرقا إلى وسط آسيا وغربا إلى الأندلس أو بالمعاملات التجارية والهجرات التي وصلت إلى أقاصي الشرق مثل اندونيسيا وماجاورها ووسط وجنوب أفريقيا والتي أدت إلى الدخول بالدين الحنيف بدون إراقة أي قطرة دم ،

ويمر الوقت ليصل تاريخ اليمن إلى عهود ملكية مرة أخرى ليكتشف العالم ظهور ملكة بارعة من نوع آخر استطاعت أن تحكم وتخطط وتدير وتبني مساحات واسعة من اليمن وعمان ووصلت إلى الهند وكانت مرجعا لأهم الدويلات الإسلامية وهى الدولة الفاطمية ويقال بأنها استطاعت أن تدير الدولة الفاطمية بأواخر عصرها من اليمن وظلت محل تقدير وإعجاب الكتاب والمؤرخين إلى الآن ،

وفي عصرنا الحالي وجدنا التحول الكبير من عصر (القرية عالم) محصورة بحالها وثقافتها وحدودها التي لا تتجاوز الـ 20 كم مربع أي مسيرة مشي بالأقدام باليوم الواحد ، نجدنا اليوم في عصر (العالم قرية) والتي بفضل تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات جعلت العالم كله يدور في قرية أو في منزل فمن خلال تواجدك في بيتك تشاهد أي مكان في العالم وأن تكتسب ثقافات مختلفة وتختزنها وتأخذ منها ما تشاء وتعطيهم من ثقافتك ما يرغبون منها وتتجول في مناطقهم وقراهم وشوارعهم وتتسوق وووو وغير ذلك وأنت قابع في منزلك ، هذا المتغير الكبير والمهم نتج عنه التقليد في كافة نواحي الحياة فمن الملبس والمأكل والمشرب ومارافقها نجدنا نقلد حتى في طريقة إدارتنا لحياتنا فبعد أن كنا معتمدين على لغة إعلامية واحدة وموجهة وجدنا أنفسنا غارقين في سيل من القنوات الفضائية ونتصفح آلاف البوابات الالكترونية أن لم تكن ملايين ومنها بدائنا نطالب بضرورة تغيير أنظمتنا التي اكتشفنا أنها مازالت تسبح في عصر القرية عالم ونظامها أو شيخها هو ربها الأوحد وأن لا شريك له وجعل من أهلها عبيد وحولها إلى إقطاعية خاصة ،

فجاء الربيع العربي ليقتحم حياتنا شئنا أم أبينا ولو أنه بداء في غير اليمن لكن اليمن وضعها أفضل حالا من أخواتها بسبب المساحة ولو الضيقة لحرية الصحافة والإعلام والأحزاب المعارضة والتي تعمل هي الأخرى بأن تظهر بين الحين والأخر وتخضع للمزاجيات والبيع والشراء وتبرز لتمثل الأدوار في انتخابات تأكد لنا لاحقا بأنها كانت تدار بأفضل المخرجين ، وأستمر التمثيل إلى أن جاء البوعزيزي مفجر الربيع العربي وأول زهراته لتتوالى الاحتجاجات وتصل إلى هنا الذي يتعرض لحملات إعلامية جعلت ممن لا يقرأ التاريخ ومحاسن هذا البلد يفكر بما هو سيء مصدقا كل ما ينشر والأغرب أن المتهجمين هم من الأقربون إليه ممن كانوا يوما داخل نطاق اليمن الطبيعي وبعد ثورة النفط تنكروا له مستخدمين قنوات إعلامية واسعة الانتشار ، مستغلين عدم وجود دولة قوية تدحض كل ما ينشر واعلام رسمي غائب يدافع على نظام تائه متخبط مما ساعد في خروج الشباب لركب موجة الربيع العربية الأولى الذي توافق مع نفس مبادئ وتحركات الشباب العربي من الشرق إلى الغرب الذي رأي العالم حوله مغايرا لواقعه فلا (أنظمة ديمقراطية ولا تبادل سلمي للسلطة ولا إنتاج ولا تصنيع ولا تشجيع للبحوث والمخترعين والدراسات ونسب الفقر أكثر من أي بلد ونسبة البطالة بين الخريجين اكثر من أي بلد ونسبة الأمية أكثر من أي من بلدان العالم ووووو الخ) ويكتشف بأن (العرب في غير بلدانهم علماء وعظماء وبارزين وناجحين وحقوقهم الفكرية والعلمية مصانة ووووو الخ ) ويكتشف هذا الشباب كذلك أن أغلب الأرصدة في البنوك الغربية هي (لمسئولين عرب والاستثمارات الكبيرة في البلدان الغير عربية لمستثمرين عرب وبلدانهم محرومة والهبات والمنح والمساعدات يحظى بها الكثير لجامعات ودول غير عربية يمنحها لهم الأغنياء العرب وأبناء بلدهم وأبناء جلدتهم محروم منها وعجيب هذا الفساد تراه أسوأ أنواع الفساد يتواجد فقط في البلدان العربية وغياب الرقيب والحسيب بل هناك من يخلد الفاسدين ويكرمهم ويمنحهم الأوسمة ويكتشف هذا الشاب العربي كذلك بتوريث الفاسدين فبعد حياة طويلة للآباء الفاسدين بالوظائف العامة والحساسة بأغلب مفاصل العمل في الدول العربية تجد البديل جاهز فالابن قد تم تأهيله بأعرق الجامعات الغربية وأصبح مؤهلا لخلافة أبية ولم يكن ذلك في قمة الهرم فقط بل بأغلب مواقع العمل والإنتاج واضطهاد العلماء والكتاب والمبدعين والسياسيين ووووو وغيرها من السلبيات التي جعلت من هؤلاء الشباب محبطين فقدوا الثقة والأمل في كافة نواحي حياتهم بداء من أنظمتهم العتيقة الفردية المستعمرة لبلدانها وتحويل أهلها إلى قطعان من الأغنام الموجهة المطيعة إلى أقرب الناس إليهم من أسرهم ومجتمعهم بحجة لماذا هذا السكوت والصبر والخضوع الأزلي والمخزي، ومن هؤلاء الشباب الثائرين هم الشباب اليمني الذي خرج بكل عفوية وبادر في المطالبة بتصحيح المسار للبلد ومن هؤلاء الشباب ظهر وبرز اسم توكل كرمان ،

هذه الصحفية البارعة التي أسست منظمة صحفيات بلاقيود منذ سنوات وتميزت بلغتها ولسانها الطليق والواضح نريد حقوق أوسع للمرأة في قاموس الأحزاب والانتخابات وعدم التفرقة والتمييز بين أبناء الشعب الواحد لتتطور هذه المطالب إلى المطالبة بالتغيير السلمي وتطورت ثقافتها وتحسنت لتصل في وقت الربيع العربي وقد بلغت ذروتها ووجدت ضالتها بالخروج إلى الشارع كأنسب طريقة بعد كتابات ومحاولات طويلة من سابق فكان هذا السيل من الشباب وفي بلد معروف بقلعة مليئة بالسلاح إلا أن هذا الشباب فرض سلمية الثورة وحاول أن يبعدها عن التجييش والعسكرة إلى أن خدعت الثورة وترحيبها ومطالبتها بحماية من النظام فحاول البعض عسكرتها وقبيلتها ، ولكن الشباب تدارك وأعاد الكفة إليه نوعا ما ، وكان لهذه الثائرة نصيبها من الاجتهاد بالحفاظ على سلمية الثورة بقدر الإمكان وذيع صيتها داخل البلاد وخارجها ومن خيمتها التي اشتهرت بخيمة توكل كرمان أصبحت قبلة للصحفيين المحليين والعالميين ومن وسط ساحة التغيير اكتسبت الاحترام من كل من حضر وسمع خطاباتها وحديثها خصوصا عن التصور والطموح لمستقبل اليمن والتي كانت تلقى أذان صاغية ليس في اليمن فقط بل بأوساط شباب الربيع العربي ، إلى أن جاء الخبر بنجاح هذه اليمنية بجائزة نوبل للسلام والتي مهما أمتعض البعض منها فهي جاءت مفاجأة لم تخطر على بال أي من المحبين أو المعجبين بتوكل كرمان فما بالكم بأعدائها وحتى من ساعدها من الخارج خصوصا دولة قطر وقناة الجزيرة لقد فاجئها الخبر مثلها مثل الشباب العربي الثائر في تونس ومصر وليبيا وغيرهم ممن اجتهد ورشح وقيم وتوقع وأرسل وتفاءل وراهن ، لتخرج لجنة الجائزة بما هو لم يكن على البال أو بالحسبان وكأن هناك من قال بأن اليمن وفي هذا الوقت هو أرحم بهذه الجائزة وكأنه القدر ليقول للعالم أنظروا إلى اليمن مجددا ليس من عيون الثورة والحروب سواء على الإرهاب أو التمرد أو الانفصال أو التخلف والفقر أو غير ذلك وكلها عيون سوداء قاتمة وجاء لمن يقول أنظروا إلى اليمن بعيون أخرى رحيمة بعيون (زرقاء اليمامة والملكات أروى وبلقيس) وحاليا بعيون توكل كرمان فيمكن بها أن تعيد الصور الرائعة وتنقذ اليمن.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-