تحقيق: تغريد بليحة - غزة - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "
أمومة صعبة.. وحياة أصعب
زوجها "أبا هاشم" يبلغ من العمر "44" عاماً، يعاني من مرض نفسي خطير وهو ما يسمى بـ "إنفصال في الشخصية" فتارة تراه هادئاً ودوداً، وأخرى تجده ثوراً هائجاً ينقض على أبنائه وزوجته كالفريسة، فهو يعاني من هذه المرض منذ أكثر من اثني عشر عاماً، والذي أصابه نتيجة فقدانه لأخيه الذي يعتمد عليه بشكل كامل في تدبير شؤون حياته في حادث طرق، وزادت هذه الحالة عنده بعد أن قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بسجنه على خلفية دخول إسرائيل للعمل دون تصريح، حيث سجن لمدة تجاوزت العامين، لاقى خلالها ألوان العذاب الإسرائيلي، والآن.. بعد أن تعرض للضرب المبرح على يد مسلحين في قطاع غزة، أثناء الأحداث الأخيرة فترة الاستيلاء على مقرات السلطة الفلسطينية، أصبح مرضه مضاعفاً يصعب على أهل بيته التعامل معه أو احتماله، نتيجة صعوبة المواقف التي يتعرضون لها عندما تنتابه الأزمة النفسية هذه.
مواقف الموت
وأوضحت أم هاشم أنها استطاعت بعد أن أنجبت التوأم عبد الله ومحمود من إمداد خط الكهرباء بمساعدة الأهل والعشيرة، وأشارت أنها في أيام الصقيع التي مرت بها الأراضي الفلسطينية لم تنقذها وأسرنها من هذه الأيام إلا رحمة الله، حيث باتت هذه الغرفة مصرفاً للمياه العادمة التي سقطت على المنطقة حيث تقع في مكان منخفض عن الأراضي الأخرى.
حاضر ومؤلم ومستقبل مجهول
ها هي أم هاشم تشتم رائحة الخطر من جديد، ولكن هذه المرة على أطفالها، فهي لم تذعن لمشيئتهن ولم تمتثل لقانون الجنون الذي يريد أن يفرضه على أبنائه، وخاصة ابنته فاطمة "21" عاما، وهي طالبة في الجامعة حيث ما زالت الأم تبحث لفلذة كبدها عن سلاح لها وسط هذه الحرب الدائرة والطاحونة التي تكاد تدوس عليها فقالت أم هاشم" وفاطمة في توجيهي في آخر امتحان إلها منعها تروح على الامتحان بس أنا خاطرت وخليتها تقدمه لأني بديش إياها تندم " كررتها ثلاثاً.. وصمتت قليلاً ثم أضافت " أنا غلطتي إني ما سمعت كلام أبويا وكملت تعليمي رغم انو كان في إمكانية إني أكمل وادرس في البيرة بس أنا عاندت واجت ع راسي" واسترسلت " أنا ما بدي بنتي تتعذب زيي بدي يكون معها سلاح للزمن لو قدر الله وجعلها توقع مع واحد ظروفه صعبة زي أبوها" وتابعت قائلة" نفسي أولادي يعيشوا في ظروف أحسن من هيك أنا حاسة إنهم لو ضلوا على هالحال راح ينجنوا زي أبوهم " .
ولدها الكبير لا يذهب إلى المدرسة كباقي أبناء جيله، رافضا النظر إليه نظرة العطف التي وجدها في المرحلة الإعدادية، لثيابه المهلهلة، وحذائه البالي إضافة إلى أن الأطفال في هذه السن يحتاجون إلى مصاريف كثيرة وهذا السبب جعله يترك المدرسة ويلتحق بنظام التعليم المدرسي المنزلي.
حياة الكهف مع اختلاف بسيط
سؤال طرحته على أم هاشم المعيلة لهذه الأسرة، عندما شاهدت حولي أكوام من الألواح المتناثرة والطوب، وغرفة لا تصلح إلا مأوى للدجاج، قالت أم هاشم بصوت مختنق" أنا صارلي عشر سنوات بأطرز تطريز فلاحي والي بيجي منه باحاول أسد جوعي وجوع أولادي وأول مرة اشتغلت فيها كانت مع وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين وبعدين صرت اشتغل مع جمعية أطفالنا للصم لأنهم بيقدروا وضعي وبيجيبوا الشغل عالدار وهم بيجوا ياخدوه" وعن المساعدات التي يقدمها لها الأهل" كل واحد على قد حالو من اخواتي وكل واحد عليه مسؤولياته وانا ما بأحب اطلب من حدا اشي إذا حدا بدوا يعطيني باخد منه وبضلها شغلة تساعد معي بس أنا ما بأطلب من حدا "
أبناء الخوف
الطفل عبد الله خطرت في باله فكرة ماجنة! ماذا لو أن والده في هذه اللحظات – لحظات الجدال مع أمه- قتلها، وهي التي تمثل لها الأمن في هذه الثنايا الموحشة.. فذهب مسرعاً مترجياً والدته في الكف عن الحديث مع والده، على الرغم من محاولة الأم في طمأنته في أن الحديث اعتيادياً..هذا ما حاول أن يرسمه لنا الطفل عبد الله "11" عام، وذلك لأسباب قالها لنا عبد الله " مرة كنا قاعدين أجا أبويا فجأة ومعه سكينة وهجم على أمي وكان بد يقتلها لولا أجا اخويا خالد ومسك الفاس وحكالوا لو قتلتها باقتلك " ربما شعر عبد الله بالخجل رغم صغر سنه واحمر وجههن ولكنه أضاف بعد صمت طويل " دايما أبويا بيصرخ في الدار ولما أروح أطلب منه اشي بيصرخ بوجهي وبيغلط عليا "
هذا الأب لم يقف عند ذلك فحسب بل ذهب في إحدى النوبات إلى الشارع صارخاً "والله لأحبسكم بدكم تقتلوني" ولكن..الأصعب من هذا أن الأب عندما يريد ارتكاب جريمة بحق أبنائه سواء بضربهم أو ضرب والدتهم على مرأى منهم يقوم أولاً بطرد أبنائه الكبار من المنزل وغالباً ما بخترع المشاكل لولده الكبير حيث قالت أم هاشم" دايما بيحاول انو الولاد الكبار ما يكونوا في الدار ودايما بيخترعلهم المشاكل عشان يطردهم لأنو بخاف إنهم يتصدوا لأفعاله معنا وكمان لأنو بحس انو ضعيف وهم أقوى منه"