قضايا المراة ليست ثانوية

افكار الخرادلى - القاهرة

تحالفت قوي الشر علي مصر بين من يسعي إلي تركيعها ومن يسعي لتدميرها ومن يسعي ليعيث فيها فسادا.
في عشر دقائق يوم الاثنين الماضي تكبدت البورصة المصرية أكبر خسائرها منذ قيام الثورة.
لا يجب أن نغالط أنفسنا وننسب كل هذا الشر إلي المواطن المصري ومطالبه الفئوية أو إلي الفلول. إن المخطط أكبر وأخطر وأذكي من فعل الإنسان المصري الطيب حتي ولو كان التنفيذ بأيد مصرية.
موقعة ماسبيرو والتي تنسب إلي الأقباط بدأت باستغلال شعور بالظلم يشعر به الأقباط في بلادهم. هذا الشعور كان أرضا خصبة استخدم لارتكاب مذبحة راح فيها أبرياء مسلمون ومسيحيون، عسكريون ومدنيون. نتيجة يمكن الوصول إليها عند وقوع الظلم علي أي عنصر أو أية فئة.
إن تلك الجريمة تدعونا إلي الاهتمام بفئات متعددة تتعرض للظلم في المجتمع، وإن كانت هادئة اليوم فإنها لن تظل كذلك إلي الأبد. من تلك الفئات المرأة التي كان للثورة آثار سلبية عليها.
لا يجب التعامل مع قضايا المرأة في الظروف الراهنة علي أنها ثانوية وأن الوقت غير مناسب لمناقشتها أو التعامل معها.
إن تجاهل قضايا هي في الحقيقة قضايا مهمة وملحة مثل قضايا الأقباط والمرأة والنوبيين نتيجتها الحتمية هي ما رأينا نموذجا له الأسبوع الماضي وهو "الانفجار".
لقد أصبحت قضية ضعف مشاركة المرأة وإقصائها أكثر إلحاحا الأمر الذي يستوجب وضعها علي رأس الأولويات، ولا يجب التحجج بالظروف التي تمر بها البلاد لأن تلك الظروف نفسها هي التي دعت الرجال وبعض النساء إلي الانقلاب علي كل ما تحقق للمرأة في العهد السابق وتعالت الأصوات مطالبة بإلغاء أي قوانين أو أي مكاسب حصلت عليها، وبعد أن كان من المتوقع أن يكون للمرأة نصيب في مواقع قيادية كانت مغلقة أمامها حتي اليوم إلا أنه تم تجاهل كل الوعود، بل والأكثر من ذلك تقلص وجودها إلي أدني مستوي في الحكومة ليقتصر علي وزيرة واحدة.
لقد شاركت المرأة المصرية منذ عام 1881 في الجهود الشعبية التي بذلت لمكافحة الاستعمار أثناء الثورة العربية، واستمرت جهود المرأة وكفاحها منذ ذلك التاريخ واستمرت مشاركتها في مقاومة الاحتلال. هذا يعني أن ما تحقق للمرأة حتي اليوم ـ وهو قليل ـ يأتي من واقع جهودها هي وليس جهد شخص أو فرد مهما كان اسمه أو موقعه. فكفاح المرأة المرير علي مدي أكثر من قرن من الظلم نسبت نتائجه لأي إنسان سواء كان اسمه سوزان أو جيهان.
ورغم هذا الكفاح وهذا الجهد فإن المشاركة السياسية للمرأة في تناقص من دورة لأخري في الانتخابات النيابية رغم تزايد أعداد المرشحات في كل دورة فإن عدد الفائزات في تناقص مستمر، وهو ما يؤدي إلي تدني النسبة المئوية لمشاركتهن.
إن الدعوة الملحة للأخذ بنظام القائمة في الانتخابات تهدف إلي إعطاء فرصة أكبر للمشاركة السياسية للمرأة والأقباط، تلك المشاركة التي لا يتيحها الأخذ بالنظام الانتخابي الفردي، ولكن لابد من الانتباه لقضية مهمة وهي موقع كل من المرأة والأقباط في هذه القوائم وإلا تحولت تلك القوائم بالنسبة لهاتين الطائفتين إلي وهم وتحايل يفرغ العملية الانتخابية من مضمونها.
إن الاعتراف بحق المرأة وإشراكها في صياغة القرارات المنظمة للمجتمع من شأنه تعميق مفاهيم الانتماء الوطني وتنمية العطاء والاعتزاز القومي، وتعزيز مكانتها في المجتمع وتوظيف كل طاقات الأمة في سبيل تحقيق التنمية الشاملة.
إن نظام الكوتة الذي ألغي معمول به في 77 دولة، وهو من الآليات التي تدعم مشاركة المرأة، فإذا كان لابد من إلغائه فإنه يجب إيجاد بديل يضمن مشاركتها سواء كان حزبيا أو في المناصب القيادية، وفيما يتعلق بالانتخاب فإن وضع النساء في مركز متقدم من القوائم الانتخابية كفيل بتحقيق هذه المشاركة ويمنحها فرصة أكبر للفوز خصوصا أن معوقات المشاركة السياسية للمرأة متعددة وواحد منها فقط كفيل بجعلها تعزف عن تلك المشاركة، وأهم تلك المعوقات غياب الوعي بأهمية مشاركتها سواء كان غياب هذا الوعي لدي النساء أو الرجال علي حد سواء.
وتعد أمية المرأة وفقرها من أهم أسباب غياب هذا الوعي، هذا علاوة علي تفشي العصبية والقبلية وهو ما يجعل صوت المرأة في الانتخابات مستغلا وفي غير صالحها في أغلب الأحيان. وهذه القضية تعد تهديدا حقيقيا للديمقراطية التي تستهدف استقلالية الرأي والقرار وهو ما لا يمكن تحقيقه دون وعي بقيمة الصوت.
والقبلية والعصبية سمة أساسية في المجتمعات العربية وهي مجتمعات ذكورية بالدرجة الأولي.
ويعد العامل الاقتصادي من عوامل عزوف المرأة عن المشاركة السياسية حيث لا تتمتع بشكل عام بالاستقلال الاقتصادي وأمام الإنفاق المبالغ فيه في العملية الانتخابية أقصيت المرأة عن المشاركة في تلك العملية.
يضاف إلي ذلك غياب القوانين المنصفة للمرأة فغياب قانون أحوال شخصية منصف للمرأة ويعيد لها كرامتها يشغلها بهمها الشخصي.
وفي ظل مناخ الحرية برز مؤخرا معوق آخر وهو ظهور تيارات دينية بأسماء متعددة علي سطح الحياة السياسية تنكر التطور الذي لحق المرأة مثلما لحق كافة مناحي الحياة وجعلها تخرج إلي العمل وتضاعفت مسئولياتها خلال العقود الأربعة الماضية مما جعلها شريكا رئيسيا وفاعلا في التنمية ومن حق أي شريك أن يسهم في صنع القرار ووضع خطط المستقبل.
ومثلما قامت ثورة ضد الظلم والقهر وانعدام العدالة الاجتماعية فإن تلك الأخيرة تحتاج لثورة اجتماعية للقضاء علي المفاهيم البالية التي "تقولب" الإنسان، أي تحصره في قوالب قديمة فات عليها آلاف السنين.
إننا نحتاج إلي وضع خطط قصيرة المدي وأخري طويلة المدي لتفعيل مبادئ الدستور الذي ينص علي المساواة وعدم التمييز بسبب الدين أو الجنس أو اللون.
والخطة قصيرة المدي تقتضي أن يفصح كل مرشح للرئاسة عن موقفه من المرأة ودورها في التنمية، ومحاسبته لو حاد عما أعلنه في برنامجه الانتخابي.
أما الخطة بعيدة المدي فتتمثل في القضاء علي الأمية ورفع وعي النساء والرجال بأهمية الاعتراف بدور المرأة في المجتمع وليس في المنزل فقط، هذا بالإضافة إلي نشر الوعي بين تلاميذ المدارس أيضا فالتعليم في الصغر كالنقش علي الحجر كما يقول المثل القديم.
إن أملنا في الشباب الذين وقفوا جنبا إلي جنب فتيانا وفتيات يطالبون بحياة أفضل يستحقها الإنسان المصري، والحياة الأفضل لن تتحقق بتعطيل جهد نصف المجتمع.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-