أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

المرأة المصرية جزء أصيل من ثورة التغيير في مصر العربية

ريما كتانة نزال - فلسطين السيد "بان كيمون" الأمين العام للامم المتحدة، عشية الذكرى العاشرة للقرار1325 قمتم بتكرار الدعوة الى تطبيقه، وهو القرار الداعي الى زيادة تمثيل المرأة في جميع مستويات صنع القرار، في المؤسسات والآليات الوطنية والاقليمية والدولية، لمنع الصراعات وادارتها وحلها. لقد اعتبرتم في تصريحاتكم بمناسبة الذكرى العاشرة لصدور القرار، بأن "النساء لا زلن مبعدات عن عملية السلام"؛ وطالبتم "بتحويل الوعود بشأن المرأة في النزاعات الى حقيقة واقعة". ان محتوى خطابكم في الذكرى العاشرة للقرار؛ يعبر عن عملية تقييم واستخلاص لنتائج العمل به على مدار السنوات العشر التي تلت صدوره، ونعتبر ما فهمناه من خلال مفرداتكم نهاية ايلول الماضي أن أهداف القرار ذات العلاقة بمشاركة المرأة وتحقيق السلام لا زالت تراوح في مكانها في لحظة صدور القرار في عام 2000، الأمر الذي نقر به معكم؛ ونعتبره استخلاص وتقييم دقيق وصحيح من وجهة نظر المرأة الفلسطينية. لكن الفلسطينيات كن يتمنين لو انكم توسعتم قليلا وقمتم بشرح السياق الذي استخلصتم من خلاله النتائج والاحكام، وقمتم بوضع النقاط على الحروف، وعلى رأسها الاسباب التي دفعتكم الى اعتبار ان النساء وفي قلبهم الفلسطينيات مستبعدات عن عمليات السلام، ولو كنتم قد اوضحتم ما يحول دون انخراط المرأة الفلسطينية في جهود تحقيق السلام.. علما بأنني استطيع أن أنفي الاعتبارات التمييزية التقليدية في الاستبعاد، لأن المرأة والرجل في فلسطين متساويان في عملية الإقصاء عن المشاركة في الحلول وصنع السلام، وذلك بسبب استفراد دولة الاحتلال وتحكمها في تقرير الحل وموعده وموضوعاته ومداه، رغبة منها في التنكر لتحقيقه، والأدق في أنها تعمل نهارا جهارا على تخريب واعاقة أي جهود تبذل للتوصل اليه ..  السيد الامين العام لهيئة الأمم المتحدة: ان علاقتنا بقرارات الشرعية الدولية كعلاقات الحب من طرف واحد، حيث بنى الشعب الفلسطيني استراتيجيته بالاستناد على قرارات الشرعية الدولية، وتبنى كافة القرارات الصادرة عن الهيئة الدولية ذات الصلة بقضيته، لتصبح كأحد المحددات والمعالم الرئيسية لبرنامجه السياسي، بل يكاد شعبنا الفلسطيني يحفظ عن ظهر قلب عدد وأرقام القرارات الصادرة مع نصوصها، في الوقت الذي تتخلى فيه الهيئة الدولية عنه وتكشف ظهره للحديد والنار. اعذرني ايها الأمين العام على محاكمة دور هيئتكم الأممية وتقييمها من خلال مدى ترجمتها للقرارات الخاصة بقضيتي الوطنية، ومن خلال قدرتها على الالتزام بجوهر ميثاقها الذي ينص على انقاذ الاجيال من ويلات الحروب، ومن أجل حفظ السلم والامن الدولي. بينما على أرض الواقع نجدها عاجزة عن الاخلاص لميثاقها، وبأنها لا تملك الارادة المستقلة لتحقيق السلام؛ ولا تملك القوة لتطبيق قراراتها. واعذرني ايها الأمين العام في الحكم على الهيئة الدولية بالتجويف والاستلاب، وبأن قراراتها مصادرة من قبل نظامها المعتمد والمتمثل بنظام "الفيتو"، حيث يسبب حق النقض لبعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الى اجهاض العدالة والارادة الدولية، وشل دورها في حفظ الامن والسلام.  لقد بلغ عدد المرات التي استخدمت فيها امريكا حق "الفيتو" أكثر من ثمانين مرة منذ تأسيس هيئة الامم المتحدة، علما بان ما يزيد على نصفهم أُشهر في وجه قرارات خاصة بالقضية الفلسطينية. واعذرنا كذلك ايها الامين العام، ان حكمنا عليكم بالعجز عن حماية حتى موظفيكم ومؤسساتكم، فالولايات المتحدة استخدمت "الفيتو" لتعطيل صدور قرار ينتقد اسرائيل لقتلها عددا من موظفي الامم المتحدة، واستخدمته لإجهاض قرار يدين قصف مدارس تابعة للامم المتحدة في غزة، واستخدمته لإفشال قرار يدين دولة الاحتلال على تدميرها مخزن تابع لبرنامج الغذاء العالمي في الضفة الغربية. ان المرأة الفلسطينية تبنت القرار 1325 واعتبرته يتقاطع مع أهداف برنامجها القريبة والبعيدة، على الرغم من ان الهيئة الدولية لا تتبنى قضاياها ومعاناتها، وفي ظل عجزالقرار عن الأمانة والاخلاص لنصوصه التي تنادي بتوفير الحماية للمرأة التي تعيش ظروف الصراع.  وفي نهاية رسالتنا لكم في الذكرى العاشرة للقرار، ترى المرأة الفلسطينية بأن الأحرى بكم ايها الأمين العام، أن تقوموا باتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لتفعيل قراركم قبل مطالبة الدول بتطبيقه. وأن تعملوا على وضع نظام محاسبة ومراقبة بشأن تطبيقه. وقبل كل شيء؛ فقد آن الأوان للقيام بخطوة اصلاحية لكافة الانظمة واللوائح الخاصة بالمنظمة الدولية بهدف منع استمرار تجويفها وعجزها، لتنطق باسم دورها التاريخي الذي انشأت من اجله، عوضا عن النطق بلغة القوة والاستحواذ. ريما كتانة نزال - فلسطين هذا العام؛ تم انتقاء عنوان " هياكل العنف: تحديد التقاطعات بين العسكرة والعنف ضد المرأة"، كموضوع لحملة "16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة" ، والتي تبدأ في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام وتنتهي في العاشر من كانون الأول. وتهدف الحملة الى تسليط الأضواء على مظاهر العنف الواقعة على النساء حول العالم، في الفترة الواقعة بين اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة واليوم الدولي لحقوق الانسان. ويتضح من اختيار التواريخ الربط الرمزي ما بين حقوق المرأة والعمل على مساواتها وحفظ كرامتها وبين منظومة حقوق الانسان، واعتبار المس بحقوق المرأة وممارسة العنف ضدها خروجا وانتهاكا لقواعد حقوق الانسان. يأتي اختيار عنوان الحملة لهذا العام ليركز النظر على أحد أهم أسباب العنف في أماكن عديدة في العالم، حيث يؤدي العنف العسكري بسبب الاحتلالات والحروب والصراعات المسلحة الى تسعير أشكال العنف الداخلي في المجتمعات التي تعيش في مرمى نيرانه، ويستعر العنف الاجتماعي ضد النساء في تلك البلاد ويتضاعف كنتيجة طبيعية لانتشار العنف العام الناجم عن للعنف العسكري، والذي ينعكس ويفرَغ بالمرأة كأحد متنفساته باعتبارها واحدة من الفئات الأضعف في المجتمع. من البديهي أن تركيز البحث والضوء على واقع العنف ضد المرأة في بلدان الصراع المسلح، لا يصادر الحق في تسليط الضوء على جذور العنف الاجتماعي الداخلي ولا يموه على دوافعه، بل لخدمة هدف تظهير العنف المركب الواقع على المرأة في بلدان الصراع المسلح، ومنها العنف المركب الذي تعيش تحت وطأته المرأة الفلسطينية التي تتعرض لاحتمال أن تزهق حياتها مرتين.  يعتبر مشهد العنف في فلسطين كأحد المشاهد التي لا تنتهي بسبب خصوصية الوضع الفلسطيني بوقوعه تحت الاحتلال منذ أكثر من ستين عاما. ويمارس الاحتلال جميع أشكال العنف بشكل مباشر او غير مباشر على المرأة بهدف احكام قبضته على الشعب وأرضه. وقد تسبب الاحتلال في قتل آلاف النساء واعتقالهن واعاقتهن بشكل فردي وجماعي في داخل الوطن وفي خارجه في المراحل المختلفة، حيث يمارس الاحتلال قمعه وتنكيله ضد الشعب الفلسطيني في جميع مناطق تواجده وفقا لاحتياجات ومتطلبات خططه الاحتلالية والامنية، وينقل جيشه وحروبه حسب المخاطر المحيطة بمشروعه الاحتلالي الاحلالي، لذلك فالخطر والعنف الرئيسي الذي يحيط بالمرأة ودورها وحريتها يتمثل بعنف الاحتلال، والذي يجند البعد الاجتماعي التقليدي ويستفيد منه من اجل قمع المرأة وابقائها تحت السيطرة. حيث لا يمكن عزل الاجراءات الأمنية التي يبتدعها الاحتلال والمتمثلة بعسكرة الطرق والحواجز لاعاقة التنقل للعمل والتعليم عن استهداف الاحتلال تجهيل المجتمع بشكل عام، وتجهيل نصفه من الفتيات الشابات بشكل خاص بهدف هلاك المجتمع على الصعيد الفكري والسياسي والاقتصادي. فالمجتمع الجاهل يسهل قمعه والسيطرة عليه ويعاق تنميته واستقلاله.  وفي الوجه الآخر لعملة العنف، لا يمكن اعتبار الاحتلال هو المنتج الرئيس للعنف وإغفال الجوانب الاخرى ومصادر العنف الاخرى التي تعمل ضد المرأة. فالواقع الاجتماعي الذي تحركه منظومة من السلطات العشائرية والعقائدية الى جانب سلة من الموروثات والعادات والتقاليد، تؤثر على المرأة بشكل معقد وعنيف. ما الجديد في زوايا العنف بعد عشرات السنين من تعاقب تفريغ محتوى الساعة الرملية.. ما هي نقطة الضعف المسببة في اعادة انتاج دورة العنف الذي تبدو مؤشراته في تصاعد .. ما الحلقة المفقودة في مسلسل العنف.. بديهي بأن المعالجات التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني على الصعيد الرسمي وغير الرسمي تساهم في حصار الظاهرة لكنها غير قادرة على معالجتها، وذلك بسبب استمرار تمسك الضحايا والمجتمع بأهداب الصمت عن الظاهرة وعلى رأسها العنف المختبئ في المنازل، والذي تشير الاحصاءات على حظوته بنصيب الأسد من حصص العنف ..  يكتسب الصمت في الوعي العربي معنى جماليا وفضيلة، فالسكوت في الحكمة العربية مصنوع من ذهب، بينما صنعت الكلام من فضة. والصمت أجمل في حالة صمت المرأة، حيث يكسبها الكمال والسحر والغموض والاحترام، ويرتبط كلام المرأة في الثقافة التقليدية بالثرثرة، والمرأة المفضلة هي التي لها فم ليأكل لا ليتكلم... لذلك فان احد أهم المعالجات للعنف وخاصة المنزلي الأكثر اتساعا، يتمثل أولا بالاعتراف المجتمعي بوجوده على الرغم من حساسيته نظرا للأدوار المتنوعة التي تؤديها الأسرة وبما يجعل جدار الصمت يطبق طويلا حولها. وفي الوقت ذاته، فان استمرار انكار وجود العنف الأسري يعيق عملية اتخاذ التدابير لمنعه واتقائه؛ ويجعل أفرادها يتعرضون للانتهاكات دون شكوى او اعتراض، ولا يمكن من التعامل مع أطرافه وعلى وجه الخصوص الضحايا والجناة بآليات التوعية والتأهيل والاصلاح وتبيان مخاطر العنف الأسري على تماسك الأسرة واستقرارها.  ان اختيار عنوان حملة "16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة" يتناسب مع واقع وبرنامج المرأة الفلسطينية. فالربط بين هياكل العنف الاحتلالي والاجتماعي يجد أجوبته الفلسطينية من خلال تحليل أثر بيئة القمع السياسي والوطني على بناء الشخصية الفلسطينية، دون الوقوع في فلسفة التبرير وكأنه العامل الوحيد في بناء عوامل العنف، أو تصويره كأحد أشكال ردود الفعل على عنف الاحتلال. ان الربط بين العنف الاجتماعي والاحتلالي يمكن المرأة الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة من عرض المشهد بأبعاده الحقيقية، كمجتمع يعيش في دوائر مغلقة من العنف، وبأن القضاء عليه يشترط ان يسبقه اخراج الاحتلال من الأرض كأحد العوامل الأساسية في تغذية وتبرير أشكال أخرى من العنف الداخلي ومنها العنف الاجتماعي.. ريما كتانة نزال - فلسطين تحت وقع كرة الثلج الجماهيرية المتدحرجة في مصر سقط النظام المستبد. حيث ومع إشراقة كل يوم جديد، بعد الخامس والعشرين من كانون الثاني، كانت الكرة تحمل معها الى الشارع قطاعاً جماهيرياً جديداً معلناً انحيازه وتأييده لمطلب تغيير النظام. لم يتأخر اي من القطاعات الاجتماعية عن الالتحاق بحركة الشارع ومطالبه، فقد التحقت النقابات العمالية مبكراً، وكذا فعلت النقابات المهنية بكل تفرعاتها من أطباء ومهندسين ومحامين وغيرهم، وكان لانضمام المثقفين والفنانين والاكاديميين والقضاة الأثر الكبير في زيادة الزخم حول الثورة المصرية الأكبر والأكثر عمقاً في تاريخ مصر. وبطبيعة الحال لم تغب المرأة المصرية عن المشهد المصري الكبير بل كان للنساء المصريات دور طليعي وبارز لا يقل عن دور أي من الفئات الاجتماعية الأخرى.  المرأة المصرية بكل فئاتها كانت حاضرة في الميدان، صغيرات وكبيرات، عاملات وربات بيوت، طالبات وموظفات، نساء محجبات أو بدون حجاب. مشاركة عامة على المستوى الجغرافي، ومن مختلف الطبقات والأديان والمعتقدات والثقافات. شابات وأمهات وجدَات لبين النداء غير آبهات بالأذى المتوقع والمحتمل في كل لحظة. المصريات كن أول من قدم الاعتذار لمصر، بالنيابة عن جميع أفراد الشعب، عن تأخرهن في إشعال الثورة، وانطلاقاً من هذه الشفافية النادرة؛ كن رياديات في تحشيد وتوظيف القطاع النسوي للنزول الى الميدان، عاملات بدأب على دعوة الجميع مستخدمات الوسائل التقنية للتواصل السريع لحشد المجتمع متوجهات لقطاع المرأة على وجه الخصوص، بهدف تنظيمها وانخراطها في جميع المهام المطروحة على الثورة حتى النصر.  ومن العلامات البارزة بالمعنى الايجابي في الثورة الشعبية المصرية أنها لم تتعامل مع المرأة كعنصر من الدرجة الثانية، ولم تسجل أي واقعة تحرش جنسي، بل وجدت الفتيات ذواتهن على قدم المساواة مع الرجل في حراك الشارع. لذلك؛ لم تقتصر مشاركة المرأة على حشد الجمهور للتظاهر والتواجد فحسب؛ بل بادرت إلى الانخراط والمبيت في الخيام للمشاركة في قيادة التحرك والمهام اليومية للمجتمع الفاضل الذي تشكل في ميدان التحرير، لقد بدت المرأة متحدثة في وسائل الإعلام، وظهرت تشارك في كتابة اللافتات الدعاوية وحملها، وهتفت وحرضت بالحشود محمولة على الأكتاف، وساهمت في إعداد الشعارات ومجلات الحائط الميدانية، ولم تترفع عن تأدية المهام النمطية، التي لا غنى عنها، من رعاية الأطفال في الخيام وتحضير الطعام للمعتصمين.  نعم لبت المرأة النداء لملامسة شعارات الثورة ومهامها لهمومها ومصالحها الاقتصادية والاجتماعية فاستقطبتها، فالمرأة المصرية تئن من الوضع المعيشي المزري. لقد أدت سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية إلى زيادة الفقر في المجتمع بسبب رفع الدعم الحكومي عن السلع الاستهلاكية الضرورية، وتأذت المرأة من أزمة البطالة التي فاقمها أولاً: سياسة استيراد العمالة الوافدة من البلاد الأكثر فقراً، وذلك بسبب جشع وطمع القطط السمان في تحقيق المزيد من الربح، وثانياً: بسبب انعكاس الأزمة الاقتصادية العالمية والاستغناء عن خدمات عشرات الألوف من العاملات في الخارج ووقف تحويلاتهن لأسرهن. وعدا هذا وذاك فقد عانت المرأة من أزمة السكن التي أضحت من أكبر الأزمات التاريخية في الكون بسبب الفساد في السياسات الحكومية؛ حيث تفشت في عهد النظام البائد مشكلة البنايات المهددة بالسقوط، إضافة إلى البناء العشوائي، وبالنتيجة اتخاذ المقابر كسكن لما يزيد عن ستة ملايين إنسان.  مع طي صفحة الماضي والولوج في المرحلة الجديدة من تاريخ مصر، تبدو تحديات المرحلة الجديدة الانتقالية لا تقل صعوبة عن سابقتها. فمتطلبات استكمال التغيير والتحول الديمقراطي يقتضي عدم الركون والنوم على الحرير.. بل يتطلب استمرار البعد الجماهيري بأشكال جديدة، أشكال أكثر تنظيماً وتبلوراً، وخصوصاً في قطاع الشباب الذي صنع التغيير. ومن المفترض، بل من الطبيعي، ان يتبوأ مكانة مناسبة في رسم السياسات وصناعة القرار في مصر، مع التأكيد ان الشباب المصري والتونسي ألهموا الشباب العربي في كل مكان.. وهو ما يبشر بفجر جديد ليس في ارض الكنانة وحدها.. بل في الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج

ريما كتانة نزال - فلسطين

تحت وقع كرة الثلج الجماهيرية المتدحرجة في مصر سقط النظام المستبد. حيث ومع إشراقة كل يوم جديد، بعد الخامس والعشرين من كانون الثاني، كانت الكرة تحمل معها الى الشارع قطاعاً جماهيرياً جديداً معلناً انحيازه وتأييده لمطلب تغيير النظام.

لم يتأخر اي من القطاعات الاجتماعية عن الالتحاق بحركة الشارع ومطالبه، فقد التحقت النقابات العمالية مبكراً، وكذا فعلت النقابات المهنية بكل تفرعاتها من أطباء ومهندسين ومحامين وغيرهم، وكان لانضمام المثقفين والفنانين والاكاديميين والقضاة الأثر الكبير في زيادة الزخم حول الثورة المصرية الأكبر والأكثر عمقاً في تاريخ مصر. وبطبيعة الحال لم تغب المرأة المصرية عن المشهد المصري الكبير بل كان للنساء المصريات دور طليعي وبارز لا يقل عن دور أي من الفئات الاجتماعية الأخرى.

المرأة المصرية بكل فئاتها كانت حاضرة في الميدان، صغيرات وكبيرات، عاملات وربات بيوت، طالبات وموظفات، نساء محجبات أو بدون حجاب. مشاركة عامة على المستوى الجغرافي، ومن مختلف الطبقات والأديان والمعتقدات والثقافات. شابات وأمهات وجدَات لبين النداء غير آبهات بالأذى المتوقع والمحتمل في كل لحظة.

المصريات كن أول من قدم الاعتذار لمصر، بالنيابة عن جميع أفراد الشعب، عن تأخرهن في إشعال الثورة، وانطلاقاً من هذه الشفافية النادرة؛ كن رياديات في تحشيد وتوظيف القطاع النسوي للنزول الى الميدان، عاملات بدأب على دعوة الجميع مستخدمات الوسائل التقنية للتواصل السريع لحشد المجتمع متوجهات لقطاع المرأة على وجه الخصوص، بهدف تنظيمها وانخراطها في جميع المهام المطروحة على الثورة حتى النصر.

ومن العلامات البارزة بالمعنى الايجابي في الثورة الشعبية المصرية أنها لم تتعامل مع المرأة كعنصر من الدرجة الثانية، ولم تسجل أي واقعة تحرش جنسي، بل وجدت الفتيات ذواتهن على قدم المساواة مع الرجل في حراك الشارع. لذلك؛ لم تقتصر مشاركة المرأة على حشد الجمهور للتظاهر والتواجد فحسب؛ بل بادرت إلى الانخراط والمبيت في الخيام للمشاركة في قيادة التحرك والمهام اليومية للمجتمع الفاضل الذي تشكل في ميدان التحرير، لقد بدت المرأة متحدثة في وسائل الإعلام، وظهرت تشارك في كتابة اللافتات الدعاوية وحملها، وهتفت وحرضت بالحشود محمولة على الأكتاف، وساهمت في إعداد الشعارات ومجلات الحائط الميدانية، ولم تترفع عن تأدية المهام النمطية، التي لا غنى عنها، من رعاية الأطفال في الخيام وتحضير الطعام للمعتصمين.

نعم لبت المرأة النداء لملامسة شعارات الثورة ومهامها لهمومها ومصالحها الاقتصادية والاجتماعية فاستقطبتها، فالمرأة المصرية تئن من الوضع المعيشي المزري. لقد أدت سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية إلى زيادة الفقر في المجتمع بسبب رفع الدعم الحكومي عن السلع الاستهلاكية الضرورية، وتأذت المرأة من أزمة البطالة التي فاقمها أولاً: سياسة استيراد العمالة الوافدة من البلاد الأكثر فقراً، وذلك بسبب جشع وطمع القطط السمان في تحقيق المزيد من الربح، وثانياً: بسبب انعكاس الأزمة الاقتصادية العالمية والاستغناء عن خدمات عشرات الألوف من العاملات في الخارج ووقف تحويلاتهن لأسرهن. وعدا هذا وذاك فقد عانت المرأة من أزمة السكن التي أضحت من أكبر الأزمات التاريخية في الكون بسبب الفساد في السياسات الحكومية؛ حيث تفشت في عهد النظام البائد مشكلة البنايات المهددة بالسقوط، إضافة إلى البناء العشوائي، وبالنتيجة اتخاذ المقابر كسكن لما يزيد عن ستة ملايين إنسان.

مع طي صفحة الماضي والولوج في المرحلة الجديدة من تاريخ مصر، تبدو تحديات المرحلة الجديدة الانتقالية لا تقل صعوبة عن سابقتها. فمتطلبات استكمال التغيير والتحول الديمقراطي يقتضي عدم الركون والنوم على الحرير.. بل يتطلب استمرار البعد الجماهيري بأشكال جديدة، أشكال أكثر تنظيماً وتبلوراً، وخصوصاً في قطاع الشباب الذي صنع التغيير. ومن المفترض، بل من الطبيعي، ان يتبوأ مكانة مناسبة في رسم السياسات وصناعة القرار في مصر، مع التأكيد ان الشباب المصري والتونسي ألهموا الشباب العربي في كل مكان.. وهو ما يبشر بفجر جديد ليس في ارض الكنانة وحدها.. بل في الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج
تعليقات