ولا اضيف جديدا بالقول ان الانقسام بين شطري الوطن قد ادى الى آثار ونتائج كارثية على شعبنا، حيث حقق لاسرائيل الأهداف التي لم تحلم يوما بتحقيقها، وترك آثارا اقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية على الشعب بشكل عام وعلى المرأة بشكل خاص. فقد وضع الانقسام المرأة كأحد الأهداف التي يتم من خلالها تغيير الهوية الثقافية والتراثية للشعب الفلسطيني في غزة، وذلك بهدف صبغ وخلق مظهر مضلل وانطباع عام عن هوية المجتمع ينَفذ من خلال المرأة، ولإحلال انطباع جديد وهوية بديلة للهوية الفلسطينية الأصيلة المنفتحة؛ ولتغيير دور المرأة الوطني المشارك تاريخيا والذي تطور وتغير لتلبية احتياج الواقع المتغير. ان القمع الممارس ضد المرأة يهدف الى قمع ووقف تطلعاتها التي تنامت في المرحلة السابقة وحققت المكتسبات، فالقائمون على نزع المكاسب ويقفون ضد التغيير الاجتماعي يعرفون بأن تغيير التراث الاجتماعي لا يتحقق بالسرعة التي يتمكن فيها أي انقلاب من تغيير النظام السياسي.
الخطوات والاجراءات التي تستهدف النساء في غزة متنوعة وتتناقض فيما بينها، حيث يتم التعامل مع المرأة بازدواجية كاملة، فالمرأة من جانب شخصية سياسية معارضة للنظام تؤخذ على محمل الجد ولا بد من محاسبتها وعقابها، وهي من جانب آخر ضلع قاصر عليها اصطحاب محرمها، دون ان نعرف ان كان المستدعي يخشى على نفسه من الضحية، أم يخشى على الضحية من نفسه.. وهم من جانب آخر يفتعلون الإجراءات باسم الدين وحماية الأخلاق والفضيلة، في الوقت الذي يخالف مضمون رسائل التهديد رسالة الدين السمحة وقيم التسامح التي حض عليها .
مع استمرار الانقسام السياسي والجغرافي يتكرس التأثير السلبي على مشاركة المرأة في الحياة العامة في غزة، حيث تتكرس الاختلافات النوعية بين مكونات المجتمع، وتحدق الأخطار بالنسيج الاجتماعي والهوية الوطنية الفلسطينية، والمرأة من يدفع فاتورة تراجع منسوب الحريات العامة والشخصية. لقد استبدل الخطاب الاعلامي الذي يدعو الى مشاركة المرأة في الحياة العامة من أجل زج جميع القطاعات في معركة الحرية ودحر الاحتلال، ليحل مكانه ثقافة تدعو الى الحجر على المرأة كمخلوق قاصر، وتوظف القمع والارهاب الفكري والاجتماعي لإحكام السيطرة على المجتمع، بديلا لتوظيف طاقات المجتمع في معركة الاستقلال.
ان الشيء بالشيء يذكر، حيث لا بد من التذكير بالجدل الذي نشأ في العامين الأولين للانتفاضة الثانية على خلفية قيام بعض الفتيات بعمليات فدائية. حيث أفتى الاتجاه الأصولي بعدم جواز قيام المرأة بعمليات فدائية خلف الخط الاخضر دون محرم وذلك بسبب السفر والتنقل، أي ان هذا المنظور لا يستطيع النظر الى المرأة خارج الإطار الأنثوي حتى في اللحظة التي تضحي بنفسها وتندرها للوطن.
ان مصلحة المرأة في النضال من اجل نظام ديمقراطي، يفتح المجال أمامها للنضال الوطني لتحرير الوطن، والنضال الاجتماعي من اجل قضية المرأة ومساواتها، نظام يمكَن من مزاولة حقهن كمواطنات لهن حق الانتاج والمشاركة دون التعرض للقهر.. فنحن في نهاية الامر نسعى لبناء وطن نعيش فيه كمواطنين أحرار لا عبيد وهذا لن يتحقق إلا بالاعتراف بالتنوع والاختلاف في المجتمع الفلسطيني بشكل فعلي، ولا ننسى أن ديمقراطية أي مجتمع تقاس بالحريات الممنوحة للمرأة فأي مجتمع تريده حماس في غزة راهنا..؟