يـرويـن يومياتهن في لـجـان النــظام بساحة التغيير بصنعاء .. ثائـرات يحرسـن اليمـن
وكالة أخبار المرأة
.منذ اندلاع ثورة الشباب الشعبية السلمية أواخر يناير، وبداية فبراير 2011م، ساهمت المرأة اليمنية جنبا إلى جنب مع شقيقها الرجل، في العديد من المجالات الثورية والإبداعية المختلفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، المشاركة في دور الحارسة لعشرات المنافذ المؤدية لساحة التغيير..
وكتجربة مهمة ينبغي رصدها وتدوينها قمنا بعمل هذا الاستطلاع الذي شمل العديد من النساء ليروين بأقلامهن تجربة يوم من أيام ساحة التغيير في حراسة المنافذ، كون المرأة العصرية اليمنية تقوم بهذا العمل لأول مرة في تاريخ اليمن.. وفيما يلي ثلاث تجارب لثلاث نساء سطرن بأقلامهن أهم ما أختزلته ذاكرتهن..
نضال مـقـدس
أم حامد – عضو لجنة نظام- ترى أن المرأة اليمنية لعبت ولا تزال، دورا مهما في مسيرة الثورة الشعبية السلمية، انطلاقا من شعورها بأن دورا مهما يجب أن تؤديه، حيث شاركت –حسب قولها- إلى جانب أخيها الرجل في اللجان النظام المخصصة لحماية ساحة التغيير من خلال الوقوف على كافة مداخلها.
وحول طبيعة الأدوار المناطة بالجان النظام النسائية وصعوبتها تقول أم حامد: " كنا ولازلنا نحتسب الأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى.. وكلما واجهتنا صعوبات أو تعرضنا لإساءات، ازددنا يقينا بأن أجورنا من الله تتضاعف، فما كان علينا سوى أن نجدد نياتنا في كل وقت وحين".
وتعزو مشاركتها ونجاحها في أداء تلك المهمة منذ بداية الثورة إلى توفيق الله أولاً ، ثم رضا زوجها الذي كان له الفضل بعد الله في تسهيل نزولها ومشاركتها في هذا الميدان.
مواقف صعبة ومحرجة
وسردت أم حامد جملة من المواقف الصعبة التي واجهتها خلال فترة حراستها والبداية من يوم جمعة، حيث طفحت المجاري بفعل فاعل عند المدخل الذي تناوب فيه ، الأمر الذي جعلهن وزملائهن الشباب عرضة للسخرية من قبل بعض المارة الحاقدين على الثورة والثوار ، فضلاً عن تأذيها شخصيا من تلك الروائح الكريهة لدرجة الإصابة بصداع استمر لمدة يومين، لم تتمكن خلالها من تناول الطعام.
أما الموقف الأصعب فيتمثل حسب أم حامد في محاولة إحدى النساء الدخول ذات يوم إلى الساحة دون تفتيش، وعندما منعها الشباب، من الدخول قبل المرور على لجنة التفتيش النسائية، رفعت عقيرتها بالصياح والشتم، بل واتهمتهم بسرقة مبلغ خمسة الآف ريال من حقيبتها اليدوية وخرصة ذهب،ومع ذلك تحملت هي وزميلاتها وزملائها كل تلك الاتهامات السب والشتم والتجريح-حد تعبيرها- على أمل أن يأتي اليوم الذي يعي فيه كل من لم يحسن التعامل من لجان النظام أن ما نقوم به هو من أجلهم.
وتواصل أم حامد قائلة:" عدة نساء كن يسألنني كم أجرك اليومي؟ فأرد هذا عمل تطوعي لا آخذ عليه أجرا فيسخرن وفيضفن سؤلاً و هل أنتِ أم ؟ فاجيب نعم أم لخمسة أبناء فيسخرن مني أكثر فأقول لهن شباب الثورة يضحون بدمائهم وأرواحهم ونحن نضحي بجزءً من أوقاتنا وأعمالنا كأقل واجب نقوم به ".
خزنة رصاص
خلال فترة عملها في الحراسة النسائية ضبطت أم حامد الكثير من الادوات الممنوع إدخالها للساحة كالأسلحة البيضاء بشكل متواصل، بل وضبطت ذات مره خزنة مسدس مليئة بالرصاص وكانت تأخذ مثل هذه الأشياء وتسلمها للجنة النظام ، إلى حال خروج صاحبة هذه الأشياء فتقوم بإعادة أشيائها إليها.
وأشارت أم حامد إلى أن ثمة أشياء كانت ترفع دائماً من معنوياتها، ذكرت منها رؤية الشباب وهم يمرحون بكل نشاط وحيوية رغم كل ما يمرون به من صعوبات ومتاعب، التوجه بالدعاء من قبل زائرات الساحة للثوار والثائرات وبالذات المرابطين في المداخل، وكذلك ما كانت تلمسه من تطور ملحوظ في ثقافة وسلوك كل من هم في الساحات وكذلك أساليب تعاملهم مع الناس والواقع والظروف.
وأضافت:" أحسست وأنا أؤدي عملي في شارع العدل أن الشارع أصبح اسما على مسمى، وذلك عندما كنت أرى أن النظام يطبق على الجميع، الصغير والكبير، المسكين والمسئول، الرجل والمرأة، الكل يخضع للتفتيش، وبدون أي وساطة، وهذا هو الذي نحلم به لبلدنا وخرجنا من أجله".
واختتمت حديثها بالقول :"رغم التعب والشمس والإهانة والتجريح الذي نواجهه، غير أن ذلك لم يمكن أبداً للملل واليأس والإحباط من أن يتسلل إلى قلوبنا، فما ان ينتهي دوامنا في الساحة عند الظهر فلا يأتي اليوم الثاني إلا ونحن أكثر اشتياقا للنزول".
بين طفلتي الصغيرة ووطني الكبير
(م . ج) كانت تحدث نفسها كل صباح :"ها قد طلعت شمس يوم جديد، و ثورتنا مازالت مستمرة، المعنويات مرتفعة لمواصلة النضال، حتى نجاح ثورتنا و تحقيق كافة مطالبنا في الحرية والتغيير ".
قبل ان تذهب (م.ج) الى ساحة التغيير تقول " انجز مهامهي تجاه عائلتي المكونة من زوج وخمسة اولاد حتى لا أتأخر عن موعد وصول باص الثورة الذي يقلني وابنتي ذات الشهرين مع زميلاتي إلى ساحة التغيير".
وتضيف "وبينما نحن في الباص تحكي كل واحدة منا لزميلاتها عن صعوبات اليوم الفائت ، وكيفية ترتيبهن للخروج إلى الساحة.
"فينما تقول إحداهن أنها استطاعت الخروج بسهولة، تشكوا الاخرى من تراكمات أعمالها المنزلية وكيف أثقلت كاهلها حتى صارت تشعر بإرهاق الشديد، و تتحدث ثالثة عن ليلة مليئة بالتوتر قضتها مع أولادها الذين رفضوا النوم من شدة الحمى...".
وبمجرد وصولهن ساحة التغيير كانت الفرحة والسعادة الحقيقة تغمرهن أكثر من أي مكان آخر، وإلى درجة يشعرن معها –حسب قولها- بالسكينة والطمأنينة وراحة البال فتهون عليه كل الصعاب التي واجهتهن من قبل.
وتضيف :" حينما أصل إلى المنفذ الذي أقوم بحراسته تزداد ثقتي بنفسي وإيماني بالهدف الذي نرنو إليه وبدأتُ أستشعر أجر الرباط في ساحة التغيير، وكل ذلك بفضل الله ثم بفضل زوجي الذي أعانني على القيام بهكذا مهمة ، وذلل لي كل الصعاب من أجل الاستمرار في اداء هذا الواجب الوطني ".
وتابعت :" وما أن نبدأ يومنا أنا وزميلاتي الحارسات في نفس المدخل في الحديث عن تطورات الأوضاع وآخر المستجدات الراهنة ، حتى تتوافد إلينا النساء لنباشر بعد ذلك عملنا في التفتيش فنبادلهن التحية والابتسامة والكلمة الطيبة والملاطفة التي بها نستطيع استمالتهن وجعلهن ينصعن للتفتيش عن رضا وقناعة".
سب وشتم
تأخذ نفساً عميقاً ثم تشرد بنظرها كمن تعود بذاكرتها إلى الماضي لتقول:" العمل في حراسة الساحة ليس سهلاً انه عمل شاق ففيما وجدنا تقديراًمن الثائرات زادنا ثباتا وإصرارا وتبشيرا بالنصر، لاقينا سب وشتم واساءة من بعض النساء، كما اعترضت أخريات أدأنا ورفضن الرضوخ لعملية التفتيش وحاولن الهرب نحو الداخل فمناعهن من ذلك فكان التشتم ومنعنا من لمس أشياءها هو ردهن لنا، ومع إصرارنا على أداء المهمة محاولين قدر الإمكان اقناعها باهمية مانقوم به فمنهن من توافق وتمكننا من أداء واجبنا ونجد من ترفض وتعود من حيث آتت والبعض نتفق معهن على مرافقتهن إلى المكان الذي يقصدنه إذا كان لغرض شخصي".
وتواصل :"رافقت إحدى ساكنات الحارة المجاورة للساحة بعد أن رفضت التفتيش وبدأت أتحاور معها وأفهمها إن هذا لمصلحتنا جميعا، لكنها أصرت على رفضها بحجة أنها تريد فقط الدخول لشراء بعض الأغراض من البقالة، فقررت ملازمتها حتى تنتهي من شراء الغرض الذي تريده، وفي طريقنا بدأت أوضح لها أهمية ما نقوم به كواجب وطني مقدس لا يسيء لها أو لغيرها وإنما يخدم مصلحة الجميع المعتصمين والسكان، وما أن عدنا إلى المدخل حتى اعتذرت لزميلاتي عن ما بدر منها".
إعتداء بالضرب
وعن أصعب المواقف التي تواجههن كحارسات تحدثت "م.ج" عن تعرض إحدى زميلاتها ذات يوم للاعتداء بالضرب من قبل إحدى النساء التي رفضت الخضوع للتفتيش، الأمر الذي استدعى تدخلها لمعالجة الموقف مع لجنة النظام لتعود بعد ذلك تلك المرأة وتعتذر من زميلتها عما بدر منها من تصرف سيء.
واسترسلت قائلة:"تأثرنا بهذا الموقف وأحسسنا بأن الأرض ضاقت علينا جراء هذه الإهانة التي لقيناها، لكن ذاكرتنا كانت أسرع في تعظيم هذا العمل في نفوسنا واستشعار أجره عند الله وأثره على وطننا الحبيب، فأطفأ ذلك نيران قلوبنا".
وقالت :"بينما أنا منهمكة في أداء واجبي أتذكر طفلتي ابنة الشهرين التي أودعتها في الخيمة المجاورة، فأتساءل عن حالها، وحال أولادي الذين تركتهم في المنزل؟ فينتابني شعور بالقلق والخوف من إصابة ابنتي بالمرض، يخالطه شعور بالتفاؤل بحياة جديدة لليمنيين، خصوصاً وأني قد خرجت لأصنع لها مستقبلها المنشود الذي حرمنا منه أنا ووالدها".
وأنهت حديثها بالقول :" العمل في لجان النظام شيئا ممتعا لا نستطيع مفارقته، ومعه أصبحت ساحة التغيير جزء من حياتنا، فهي تمنحنا قوة وعزيمة وإرادة وعزة لم نتذوقها طوال حياتنا، وجدنا المستقبل يرتسم بآماله، ويمننا يتزين بحلة جديدة للانتقال إلى مستقبل أفضل وجميل".
كلما زاد تعبنا أزددنا شوقاً
أم حذيفة.. تحمد الله بأن وفقها للعمل ضمن لجان النظام المنتشرة على مداخل ساحة التغيير، منوهة إلى أنها تعمل جاهدة من أجل أن توفق بين عملها المنزلي وعملها في الساحة.
وتتحدث أم حذيفة عن جانب من معاناتها قائلة :"ترك الأولاد لساعات الطويلة في البيت، وخاصة طفلتي التي لا تتجاوز العامين، يشكل معضلة بالنسبة لي، حيث تظل تبحث عني في كل غرف المنزل، ماما ماما".
وتشير إلى أنه في إحدى المرات مرض كل أولادها الخمسة، ولكن من أجل الله والوطن هانت كل المصائب.
شكـراً زوجـي
وعن دعم وتشجيع زوجها تقول: "زوجي الحبيب يساعدني في كل الأوقات على اداء مهامي وواجباتي فمثلاً في حالة الخمول أو الكسل يقوم بحفيزي وتشجيعي على الذهاب الى الساحة وهذا ما يجعلني اقول بان لو لا المجهود الذي يبذلة زوجي معي لما نزلت إلى الساحة أو رابطت في احد منافذها فـشكـراً لك يا زوجي العزيز ".
وتضيف " إذا بدر مني تقصيراً في عملي المنزلي يتضايق زوجي وخصوصاً حين حينما يعود من العمل إلى البيت فلا يجد الغداء جاهزا مثلا وذلك بسبب وملي في لجان النظام فأقوم بتذكيره بعظمة ما أقوم به وانه هو من شجعني على أداء واجبي الوطني فيهدأ ويعتذر مني ..
وتتابع قائلةَ" عندما نعود أنا وزوجي من الساحة إلى البيت ونحن متعبين ومرهقين، يكون قد ازددنا شوقنا لبعضنا ".